بين قمة جدة وقمة طهران لا اصطفافات دولية واقليمية جديدة. ليس هناك اي قرار خليجي بالتصعيد ضد ايران. الامارات المتحدة تعيد ترتيب علاقتها الديبلوماسية مع الجمهورية الاسلامية. مصر تتجه الى فتح قنوات امنية مع ايران، والاردن يتجه الى التهدئة معها. وعلى خط الضغط على روسيا ليس هناك اي احتمال لذهاب دول الخليج الى تموضعات جديدة قد تترك تبعات سلبية على علاقتها الاقتصادية بموسكو. واجتماع منظمة اوبك + في 2 اب المقبل كفيل بتظهير حقيقة التوجهات الخليجية علما ان تجاوب برميل النفط على وقع قمة جدة لا يظهر ان الامور تسير بالاتجاه المرجو اميركيا. في المقابل، فإن المستجد في اجتماع طهران الذي ضم روسيا وتركيا وايران هو اجتماع رؤساء هذه الدول، التي لم تتوقف لقاءاتها انما كانت تحصل على مستوى وزراء خارجيتها او ممثلين عنها للبحث في الازمة السورية تحت عنوان لقاءات استانا، لكن اجتماع القادة كان واضحا في تركيزه على العنوان السوري لكنه فتح افاقا ابعد من سوريا وتتصل بحماية امن المنطقة وعدم اللجوء الى الحرب وحماية الامن الغذائي.
متغيرات الحرب الاوكرانية حطت في الشرق الاوسط. تحالفات تعكسها متطلبات المرحلة. واشنطن عادت الى المنطقة تحت عناوين: الطاقة. التضييق على روسيا والصين. الضغط على ايران بعيدا عن اي تصعيد، لدفعها الى خفض سقف المطالب والشروط وتسهيل عملية التفاوض في فيينا.
وبينما تحاول دول المنطقة التقاط فرصها الاقليمية والدولية، فإن لبنان في مهب التجاذبات وعلى حافة الانتظار. يتجاهل المعنيون فيه كل النصائح الغربية والعربية بضرورة معالجة ازماته واتمام استحقاقاته في مواعيدعا. الرهانات المحلية مشدودة نحو المعترك الاقليمي والنتائج التي سوف تتظهر تباعا من قمتي جدة وطهران واحتمالية الذهاب مجددا الى انضاج تسوية داخلية.
لقد اكدت قمة جدة دعمها سيادة لبنان وأمنه واستقراره، وجميع الإصلاحات اللازمة لتحقيق تعافيه الاقتصادي، ودعت جميع الأطراف اللبنانية لاحترام الدستور والمواعيد الدستورية، وشددت على دعم دور الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في حفظ أمن لبنان، والتأكيد على أهمية بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية .
ان رسالة قمة جدة تجاه لبنان، تأتي تاكيدا لبيان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان لجهة حرصهما على استقرار لبنان ودعمهما لجيشه وتنفيذ الاصلاحات المطلوبة منه. وبالتالي فان لا جديد خارجيا حتى الساعة يمكن ان يبنى عليه محليا.
وبحسب مصدر سياسي مطلع لـ”لبنان24″ فإن الثابت الوحيد اليوم ان ملف الحكومة قد تراجع الى الخلف وان الجميع بات مقتنعا ومسلما بإن المهلة المتبقية من الولاية الرئاسية للرئيس العماد ميشال عون ضاقت وان حكومة تصريف الاعمال مستمرة حتى نهاية العهد. ولعل قسوة السجال الرئاسي على خط بعبدا – السراي وغلبة منطق المواجهة الذي حضر امس في مشهد مصرف لبنان كفيل بتثبيت فرضية الـلا تشكيل للحكومة.
في الموازاة يتقدم ملفا الترسيم واستحقاق رئاسة الجمهورية الى الواجهة.
ففي الملف الاول ينطلق مصدر سياسي من معادلة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله : “كاريش وما بعد بعد كاريش”، للقول: “نحن امام اسابيع قليلة حاسمة في تاريخ هذا الملف. مرحلة التسويف والمماطلة انتهت وبتنا الان امام مرحلة لحصول على حق لبنان بمواجهة مع اسرائيل او من دون مواجهة”.
ويشير ” الى لبنان سيشهد في الاسابيع المتبقية من تموز وفي شهر اب خطوات مشابهة للمسيّرات لتحقيق المنشود، علما ان اشارة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الى ان”ما سوف نصل اليه على مستوى ترسيم الحدود، هو أقل من حق، بل هو تسوية، لأن الظروف الدولية والإقليمية للأسف، تفرض علينا أن نصل الى تسوية”، يحمل في طياته تأكيدا بالوصول الى اتفاق سيكون عبارة عن تسوية قد تكون اقصى الممكن في الوقت الراهن، مع اعتبار المصدر ان لبنان سيحصل على “الخط 23 بلاس”، ومشددا على ان عودة الوسيط الاميركي اموس هوكشتاين الى لبنان رهن تبلور معطى جديد لديه من تل ابيب يمكن ان يحمله الى القيادات السياسية.
اما في الملف الثاني، فإن الامور لا تزال غامضة. فمشهد الرئاسة متخبط، وغير واضح المعالم سواء لجهة انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية ضملة المهلة الدستورية او دخول البلد في فراغ قصير، يقول المصدر نفسه، مشيرا الى ان مسألة الاسماء سابقة لاوانها وتنتظر اللحظة الاقليمية – الدولية التي من شأنها ان تعبد الطريق امام المرشح الرئاسي المطلوب خارجيا، الا ان هذه اللحظة لا تزال ضبابية خاصة على الصعيد الايراني- الاميركي.
اذن القطار الاقليمي يتحكم بمسار الاستحقاقات الدستورية في لبنان. وغدا لناظره قريب.