كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: بمعزل عن التفسيرات والتحليلات والتأويلات لكلام الرئيس نجيب ميقاتي عن ″العصفورية″، فإن ما قاله يعبر عن المرارة الكبرى التي يشعر بها نتيجة العبثية السياسية القائمة من بعض الأطراف التي حولت لبنان بالفعل الى “عصفورية” تقيم حفلات جنون يومية لا منقذ منها سوى العناية الالهية التي ما تزال تحيط بالبلد.
هذه المرارة أو ربما الخوف الذي عبّر عنه الرئيس ميقاتي بأسلوب ساخر، يشير بشكل واضح الى العقبات القائمة أمامه حيال تشكيل الحكومة والذي ينتظر تعاطي رئيس الجمهورية مع التشكيلة التي قدّمت إليه بعد يوم واحد من الاستشارات النيابية غير الملزمة، وتحديد موعد للرئيس المكلف لمناقشتها، حيث يبدو واضحا أن البلاد تتأرجح في مهب الريح، وهناك من يتمترس خلف مصالحه الشخصية ومكاسبه السياسية والحزبية، وطموحاته بتمديد نفوذه الى العهد الجديد إذا ما أبصر النور، غير آبه بالمخاطر التي تحدق بلبنان المتجه إنحدارا الى قعر جهنم.
هذا الواقع، دفع ميقاتي الى التعبير بهذه الطريقة أو ربما بهذا التشاؤم، خصوصا أنه لم يُرد أن يصدم اللبنانيين بتوصيف خطورة المرحلة، فإعتمد أسلوب النكتة السياسية، وهو أسلوب متبع منذ عشرات السنين للتعبير عن إنتقاد معين، أو للاشارة الى واقع مؤلم.
ما قاله الرئيس ميقاتي لم يكن بتاتا على سبيل المزاح، أو على سبيل “تغيير جو”، بل ربما هو أبلغ تعبير عما وصل إليه لبنان، ولعله إختصر فيه عشرات المواقف السياسية التي قد تصدر من هنا وهناك، وبالتالي، فإن من أراد الانتقاد أو الاصطياد بالماء العكر أو تصفية حسابات مع الرئيس المكلف، فقد أخطأ التقدير، أو ربما غير مطلع على أسلوب السخرية السياسية التي لطالما إعتمدت من أكثر من رئيس أو زعيم على مستوى العالم الذين كانوا يعبرون عن واقع بلدانهم بالسخرية، تماما كما هو الكاريكاتور السياسي أو المشهد المسرحي الذي يغلف المرارة والمعاناة بإسلوب فكاهي.
لا شك في أن من فَهِم ما يرمي إليه الرئيس ميقاتي من توصيف “العصفورية”، أدرك تماما أننا نتجه الى اللا حل، والى اللا حكومة ، ما يعني أننا مستمرون في تصريف الأعمال الى نهاية العهد وربما الى ما بعد بعد العهد.
لم يعد يختلف إثنان على أن ما يمارس بحق لبنان هو قمة الجنون، فتعطيل تشكيل الحكومة في ظل الانهيار الحاصل جنون، والتعاطي مع رئاسة الحكومة بهذه الكيدية ومحاولة مصادرة صلاحياتها في بلد قائم على التوازنات جنون، والفلتان الأمني الذي يؤدي الى موت مجاني ويومي جنون، والدولار جنون، والغلاء جنون، وأسعار المحروقات جنون، وشل مؤسسات الدولة جنون، وحجز أموال المودعين جنون، وتصرفات بعض القضاء لا سيما ما يتعلق بالمداهمات المسرحية والاستعراضية لمصرف لبنان بحثا عن الحاكم رياض سلامة في الخزانات والخزنات جنون.
ولا شك في أن هذا الجنون من شأنه أن يؤدي الى كوارث، فإما أن يصار الى التخفيف منه، والحد من “العصفورية” التي تتمدد على مساحة كل البلد، وإلا فإننا سنكون أمام مزيد من الفوضى والهستيريا التي قد توصلنا في نهاية العهد الى قعر قعر جهنم!..