“سأقوم بنقل أولادي الثلاثة الى أقرب مدرسة رسمية موجودة في جوار منزلي في الأشرفية”. بهذه الجملة تبدأ لينا حديثها مع “لبنان 24″ مؤكدة أن”الطموح برؤية من نفني عمرنا لفرحهم وراحتهم في أعلى المراتب بات غير مشروع في بلد يقتل الاحلام واحدا تلو الآخر”.
وتضيف لينا “لدي ثلاثة أولاد أكبرهم في الصف السادس أساسي، تعبت وشقيت الى جانب زوجي حتى تمكنا من تعليمهم في واحدة من أفضل المدارس الخاصة في لبنان، واليوم وبعد اصرار لمدة سنتين، وبعد مجهود غير طبيعي قمنا به، نجد أنفسنا مضطرين للاستسلام والبدء في البحث عن بديل للمدرسة التي رأينا فيها اولادنا يكبرون ويفرحون وينجحون”.
وتقول لينا وفي عينها غصة وفي صوتها رجفة ” في ما مضى كنا نردد دائما ان اموالنا بغالبيتها تذهب لسداد أقساط المدرسة، وكنا نتمنى لو ان المدارس الرسمية تؤمن الخدمة التربوية والتعليمية نفسها التي تؤمنها المدارس الخاصة، ما يمكننا من توفير الأموال لشيء من الرفاهية كالسفر او السياحة الداخلية، اما اليوم فبتنا نتمنى وجود تعليم رسمي ليس من باب الطمع بأوقات من الراحة والتسلية انما من باب الحرص على مستقبل أولادنا الذي نراه يضيع يوما بعد يوم أمام أعيننا”.
وتضيف ” للأسف حالنا شبيهة بأحوال شريحة واسعة من العائلات اللبنانية، فأهالي زملاء أولادي بمعظهم يعانون المعاناة ذلتها بعدما أصبح الدفع بالدولار الأميركي واقعا لا مفر منه في التعاطي مع المدارس الخاصة”.
وتتابع” ملامتنا في هذا المجال، ليست على اصرار المدارس على استيفاء حقوقها بالدولار ، اذ اننا نعلم جيدا انه لا امكانية لديها للاستمرار في دورها من دون اعتماد هذه الخطوة، انما ملامتنا وعتبنا هي بالدرجة الاولى على طريقة التعاطي معنا نحن الذين وثقنا بالتعليم الخاص واستثمرنا عمرنا وتعبنا فيه، فلا تسهيلات في الدفع واضحة ولا حسومات منظورة أقله خلال العام الحالي، لذلك لم يبق امامنا سوى مناشدة الدولة ان تعمل بشكل طارىء على تشكيل خلية ازمة للتعاطي مع الملف التربوي الرسمي، لا بل نطلب منها ان تعتبر المدرسة مادة حيوية شأنها شأن الغاز والبنزين والخبز، اذ لا يمكن لأولادنا ان يتقدموا ويكبروا من دون ان يتمتعوا بجودة عالية من التعليم”.
أمام هذا الواقع وأمام قصة لينا التي تشبه مئات القصص، يبدو السؤال مشروعا عن أمرين أساسيين، أولهما مستقبل الأجيال اللبنانية التي لطالما تم التغّني بمستواها التعليمي وبقدرتها في عالم اللغات والعلوم والآداب وغيرها. اما الأمر الثاني الذي لا بد من التساؤل عنه، فهو الحراك الذي ستقوده الدولة اللبنانية تجاه التعليم الرسمي الذي عانى من الاهمال على مدى سنوات طويلة.
في هذا السياق يؤكد مرجع تربوي أنه”لا مفر من الدخول في معالجة واقع المدارس الرسمية بشكل جدي، والمعالجة لا بد من ان تشمل تنمية هذه المدارس على صعيد كادرها التربوي وادارتها بالاضافة الى النظر في مبانيها التي هي، في نسبة كبيرة منها غير مؤهلة لاستضافة التلاميذ”.
ويشير المرجع الى انه ” في لبنان أكثر من نموذج يؤكد امكانية ريادة ونجاح المدارس الرسمية، وهذه النماذج لم تصل الى ما هي عليه اليوم الا بعد التعاون بين القطاع العام المتمثل بوزارة التربية والتعليم العالي والقطاع الأهلي الذي تمثله الجمعيات والبلديات بشكل عام.
لذلك وامام صعوبة ان تتمكن الدولة اللبنانية ووزارة التربية خلال هذه الفترة العصيبة من تاريخ لبنان من ايجاد حلول مرضية للقطاع، لا بد من ان يدرك المجتمع الأهلي دوره في تنشيط التعليم الرسمي وتحويله الى تعليم نوعي وريادي، فيكون مبادرا ماديا وتخطيطيا ومعنويا، لتنطلق مجموعة مدارس نموذجية على طول الخريطة اللبنانية فتكون بديلا متينا عن التعليم الخاص الذي أصبح حكرا فقط على من يمتلك الاموال بالدولار الاميركي”.
ويختم المرجع عينه مؤكدا أن”اعتبار التعليم الرسمي بديلا عن الخاص هو الاستثناء وليس القاعدة، لذلك نأمل ان نشهد ثورة أهلية على صعيد التربية فينطلق القطار من الطريق الصحيح الذي قد يؤدي في نهاية مطافه الى عودة المدرسة الرسمية والى انتشال الأجيال المقبلة من امكان وقوعها في ظلام بسبب غيابها عن المعرفة والعلم والتكنولوجيا”.