قمم متتالية سياسية واقتصادية في المنطقة، من قمة جدة الى قمة طهران، مرورا بقمتتي شرم الشيخ والعقبة ومنتدى غاز الشرق الأوسط كل ذلك يأتي وسط الحديث عن إعادة تشكيل الشرق الأوسط اقتصادياً.
مؤشرات متضاربة طرأت بعد قمة جدة، خاصة وان الرئيس الاميركي جو بايدن لم ينجح في إنشاء منظومة تتصدى للنفوذ الروسي في المنطقة، في حين ان قمة طهران تأتي ضمن “عملية أستانا” لإنهاء النزاع السوري على وقع تهديدات تركية بالقيام بعملية عسكرية في شمالي سوريا.
ويقول السفير الروسي السابق في لبنان الكسندر زاسيبكين ل “لبنان24” ان الموقف الروسي يأتي في سياق تطور الاوضاع في سوريا، وهو لم يتغير طوال السنوات الماضية ولن يتغير ، وهذا الواقع يؤكده مسار استانا الذي لا يزال يلعب دورا ايجابيا، اخذا في عين الاعتبار التأكيد على وحدة أراضي سوريا واستعادة السيادة في كل انحائها واستكمال مهمة مكافحة الارهاب وعودة النازحين وهذا ما اكدته قمة طهران.
لا تزال روسيا تسعى الى ايجاد الحلول السلمية الدبلوماسية لكافة المشاكل بما في ذلك النزاع في اوكرانيا، يقول زاسيبكين. لكن امام مماطلة الغرب وتسليحه نظام كييف، فإن الموقف الروسي سيكون اكثر تشددا. وبطبيعة الحال فإن الاجندة لا تقتصر على اوكرانيا، فالمطلوب انسحاب اميركا من الأراضي السورية، والقمة الثلاثية في طهران اكدت ان اطراف مسار استانا متفقة بهذا الخصوص ومن الواضح ان انهاء الاحتلال الاميركي سوف يساهم في التخلص من الوجود الارهابي في سوريا. تمارس روسيًا نهجا سياسيا قويًا منسجمًا مع التقدم العسكري المتواصل في اوكرانيا وتعزيز العلاقات مع عدد من الدول التي ترفض هيمنة الغرب الذي دخل مرحلة الازمة الشاملة ويريد ايجاد المخرج منها على حساب الاخرين، بحسب زاسيبكين. وفي هذا الصدد اتت قمة جدة كمحاولة اميركية لتشغيل الدول العربية لخدمة اهداف ادارة بايدن الذي فشلت جهوده في هذا السياق.
ويقول زاسيبكين: روسيا توقعت مثل هذه النتيجة لان انهيار الغرب يتعمق وتظهّر هذا الامر في السنوات الاخيرة وليس بصدفة ان روسيا طرحت المطالب الخاصة بالامن في منطقة اورواطلسية لان الاطماع التوسعية الغربية ليست تهديدا لامن روسيا فقط بل اصبحت عاملا قد يؤدي الى الانزلاق نحو النزاع العالمي بسبب تراكم مشاكل الغرب الذي يذهب الى تصعيد الاوضاع في كل مكان كلما سنحت له فرصة تشجيع الخلافات بين الدول وزرع الفتن وتأييد الارهاب والتطرف.
بدت قمة جدة رمزا لعبث السياسة الاميركية، في حين ان قمة طهران شكلت محطة مهمة في الطريق نحو ايجاد الحلول للمشاكل وتطوير التعاون الدولي على اساس احترام سيادة الدول. يقول زاسيبكين. ومن الواضح ان اقامة نظام عالمي جديد يتقدم على اساس تراجع الغرب وعملائه وتقدم الدول التي تتصرف وفقا لمصالحها الوطنية المشروعة والمتمسكة بالقانون الدولي ومبادئ حسن الجوار والعيش معا والمساواة والنفع المتبادل. ومن المرجح ان يتمسك الشرق الأوسط وانحاء العالم كله بهذا التوجه لانه المسار الاجباري نحو التقدم الاقتصادى المتساوي والعدالة الاجتماعية واحترام خصوصيات دينية وثقافية وقيم تقليدية.
من المهم ان قمة طهران اكدت، وفق زاسيبكين، مواصلة التعاون رغم الخلافات، والتحركات التركية في شمال سوريا التي تحصل من دون التنسيق في اطار مسار استانا، الا ان التركيز على القواسم المشتركة يبقى الاهم. وبالنسبة لروسيا لايزال التعاون مع سوريا وحلفائها اولوية مطلقة دفاعا عن دولة سورية ضد الارهاب والتدخلات الخارجية اما اساليب العمل فتتوقف على الظروف الموضوعية والاتفاقات القائمة وفي كل الاحوال على الشرعية الدولية.