رسم المشهد الشعبي حول البطريرك الماروني بشارة الراعي في الديمان امس والمواقف العالية النبرة التي اطلقها واقعا لا يمكن الاستهانة به، وستكون له انعكاساته المباشرة وغير المباشرة على مجمل الاستحقاقات في المرحلة المقبلة.
وكتبت ” النهار”: لم تقتصر ترددات “يوم الديمان” امس على الرد المدوي للكنيسة المارونية على المحاولة السافرة لـ”تخوينها” عبر “حزب الله” الذي سقط مجددا في شطط غالبا ما انتج وقائع سياسية ووطنية معاكسة لثقافة التحريض التي يتبعها ضد بكركي، بل ان هذه الترددات سواء عبر الردود الصارمة القاطعة للبطريرك الماروني او عبر الحشد الشعبي الذي اعتصم في الديمان التفافا حول البطريركية، رسمت واقعا شديد الحماوة يضاف الى مناخات المرحلة المأزومة الانتقالية التي يجتازها لبنان.
وذهبت تقديرات أوساط معنية الى القول ان مجريات قضية المطران موسى الحاج التي دفعت البطريرك الى اطلاق ذروة ردوده منعا لتمادي الاستهداف والاستضعاف بحجة احراج البطريركية بمسألة تشكل إسرائيل طرفا فيها، خلقت مناخا جديدا من المعطيات التي ستؤثر في الخيارات التي ستعتمد في التعامل مع الاستحقاق الرئاسي، لانه لن يكون مقبولا بعد تفجر هذه القضية الرضوخ لما أراده “حزب الله” من تحريض وتوتير عبر الدخول المفتعل اليها من باب تخوين المطران وتلقين الكنيسة والمسيحيين عموما دروسا في الوطنية. ولفتت الى انه، وإن كان البطريرك لم يسم جهة بعينها امس في موضوع التعامل والعملاء، فان الجميع ادركوا انه رد على محاولات الحزب السافرة في تخوين احد الأساقفة الموارنة وعبره الكنيسة عموما، وهو ما لن يمر اطلاقا بل ان الأسابيع الطالعة ستشهد عمق ارتدادات هذه “المحاولات التخريبية” وانعكاسها في رسم مواصفات الرئيس العتيد المقبل للجمهورية اقله لخلق توازن رادع امام فرض مواصفات “تبعية” لمحور معروف .
وكتبت ” نداء الوطن”: ربما لم يخطر في بال البطريرك الراعي أنه سيتعرض لما تعرض له سلفه البطريرك مار نصرالله بطرس صفير الرمز الكبير الذي كان له الدور الأكبر في معركة الإستقلال الجديد الذي يحاول “حزب الله” إنهاءه وإلغاءه. وهو لذلك خاطب الحشد المتجمع في الديمان قائلاً: “إن البطريرك صفير حي فينا”. كان البطريرك الراعي شاهداً على ما تعرض له البطريرك صفير من إهانة في 5 تشرين الثاني 1989 عندما اقتحم مناصرون للعماد ميشال عون الصرح البطريركي في بكركي بعد انتخاب النائب رينيه معوض رئيساً للجمهورية. تلك الليلة التي روى تفاصيلها البطريرك صفير في مذكراته قال إنه صلى أمام صورة يسوع المصلوب لأنه كان يعتقد أنه سيلاقي وجهه في السماء. وهو الذي ترك المقر البطريركي في بكركي لينتقل قبل الفجر مع المطران بشارة الراعي إلى الديمان. وعندما سئل العماد ميشال عون عن هذا الأمر في اليوم التالي قال إن البطريرك اختار طريق المنفى. وعلى رغم أنه على أيام البطريرك صفير ومن قبله لم يتعرض أي مطران لما تعرض له المطران موسى الحاج ولا تم تفتيش أي أسقف على أبرشية القدس وحيفا والأراضي المقدسة ولا تمت فبركة تهمة من هذا النوع، فإن ذلك يحصل اليوم على عهد الرئيس ميشال عون. فهل سيكون له دور في إسقاط هذه الصورة عن عهده بإعادة الإعتبار إلى القانون والكنيسة والبطريرك والبطريركية ومحو هذه الإهانة؟ أم أنه كما فعل التيار سيغطيها ويثبت أنه جزء من هذه الجماعة الحاكمة والمهيمنة؟
وكتبت ” الاخبار”: إذا كان الحاج بريئاً فلماذا لا يخضع للتحقيق وفق المنطق نفسه الذي استخدمته بعض القوى السياسية المتلطية بعباءة البطريرك مطالبة بمثول نواب ووزراء سابقين ورؤساء أجهزة أمنية في ملف المرفأ. وإلا فإن ما يريده من يتهمون غيرهم بإقامة «دولة داخل الدولة» إنما هو إقامة «دولة فوق الدولة». لذلك، فإن المطلوب فوراً، وفق مراجع رسمية عليا، أن يبقى القضاء متماسكاً وأن يتخذ التدابير اللازمة من ضمن سلطته. أما معالجة المسألة على «الطريقة اللبنانية»، أي وفق «اجتهاد» صوّان سابقاً باعتبار القضاء العسكري غير صالح للحكم في هذه القضية، فقد «بات متعذراً حتى لا ننتقل من «قضاء المرفأ» و«قضاء رياض سلامة» إلى «قضاء بكركي». وهو ربما ما يفسّر تصعيد البطريرك الراعي أمس لهجته، مستقوياً بـ«الحشود» الشعبية في الديمان، بالتأكيد أن المطران الحاج سيواصل جمع «المساعدات» وأن توقيفه على الحدود «ممنوع»، داعياً إلى ردّ الأموال والأدوية التي صودرت معه!
مصادر على صلة بالتحقيق، جزمت، بناء على المعطيات المتوافرة لديها، أن استدعاء المطران الحاج «ليس من الواضح حصوله»، بسبب المظلة السياسية/ الدينية التي يتمتع بها، مؤكدة استدعاءه في المرة الأولى من دون أن يحضر. ولم تستبعد أن تكون لرفض الامتثال صلة بما بينته التحقيقات لجهة فرضية توفّر استفادة مادية لقاء نقل الأموال ربطاً بالموجودات التي ثَبُت حيازتها من قبل المطران، فيما يبدو أن أحد الأجهزة الأمنية في صدد التوسع في التحقيقات لتشمل التدقيق في ممتلكات المطران.
وفي شأن متصل، علمت «الأخبار» أن التحقيق في القضية محصور بالمديرية العامة للأمن العام بناءً على الإشارة القضائية الصادرة عن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة فادي عقيقي، علماً أن النيابة العامة العسكرية لا تزال تنتظر ختم التحقيق ليتسنى لها اتخاذ المقتضى القانوني، على الرغم من وضوح مواد القانون في ما له صلة بتحديد طبيعة الجرم الذي يشمل نقل أموال وبضائع (أدوية) من دولة مُعادية.
وكتبت” اللواء”: اخذ التصعيد بين بكركي وحزب الله، والفريق الشيعي الروحي والسياسي الداعم له بعدا آخر، لجهة تحديد من هو العميل ومن هو الوطني، وما يتعين فعله تجاه استرداد الاموال التي اعطى المفوض لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي بحجزها مع جواز سفر المطران موسى الحاج على خليفة تحقيقات اجراها معه الأمن العام عند حاجز الناقورة، وهو عائد من الاراضي المحتلة، ومعه اموال بالدولار واليورو قيل انها مرسلة إلى ناس معوزين في لبنان.
وقالت مصادر سياسية لـ»البناء» إن مشهد الدفاع عن المطران الحاج أشبه بمشروع تطبيع مقنع ملاقاة لقمتي شرم الشيخ والعقبة تحت عنوان مظلوميّة المطران موسى الحاج، مشيرة الى ان بكركي اليوم تخرج عن وطنيتها، وفي حين أن معركتها مع النصوص القانونية والقضائية فإنها نقلت مشكلتها الى حزب الله، وحورت المشكلة ونقل الاصطفاف السياسي الى مكان مؤذٍ جداً للمسيحيين.