يشهد القطاع العقاري جمودًا، حيث ان عمليات البيع والشراء شبه متوقّفة، على رغم انخفاض أسعار الشقق بنسبة تجاوزت 60% في بعض المناطق، عما كانت عليه قبل الأزمة. هذا التباطؤ يأتي بعد فورة كبيرة سجّلها القطاع في العام 2020، بحيث ارتفعت عمليات البيع والشراء بشكل غير مسبوق ووصلت إلى “82 ألف عملية، بقيمة 14.4 مليار دولار، أي بارتفاع من حيث القيمة بلغ نسبة 110 % مقارنة بالعام 2019 “وفق أرقام “الدولية للمعلومات”. في حينه عمد الكثير من أصحاب الودائع إلى سحبها بموجب شيكات، واستخدامها في شراء العقارات بقصد تهريب ودائعهم من المصارف، ساهم في ذلك وجود مخزون كبير لدى المطوّرين العقاريين، وقبول المصارف اقفال حسابات ديون هؤلاء بحوالات وشيكات.
الطلب شبه معدوم
هذا الواقع لم يدم طويلًا، عادت عمليات البيع لتشهد تراجعًا في النصف الثاني من العام 2021، أمّا اليوم فهي شبه متوقفة، ذلك أنّ المطوّر الذين سدّد ديونه للمصارف لم يعد مضطرًا للبيع بأسعار منخفضة، ولا يقبل بالشيك المصرفي بعدما أنهارت قيمته، وبات هؤلاء يطلبون دفع ثمن الشقق بال “فريش دولار”، في حين أنّ حاملي العملة الصعبة يستفيدون من قوّة موقعهم، ويطلبون حسومات لا تقل عن 70% ، بمعنى آخر، حاملو الدولار ينتظرون سعر “لقطة” وذلك ليس متاحًا، إذ يبدو أن لا حاجة كبيرة لدى المطوّرين للبيع، ومن يحتاج للنقدي يتدبرّ أمره من مصادر أخرى، متفاديًا بيع عقاره بسعر محروق” يقول مدير شركة “رامكو” العقارية الخبير العقاري رجا مكارم في حديث لـ “لبنان 24″ موضحًا أنّ الطلب قليل، على رغم الحسومات في الأسعار، والتي ناهزت الـ 60%، لكن ليس هناك من مشترين، كما أنّ هناك أراضٍ معروضة للبيع بحسم يتراوح بين 70 و 75% ولا من يشتري، ويمكننا القول إنّ الوضع العقاري سيء، والحركة خفيفية إن لم نقل معدومة”.
تفاوت في الحسومات بين المناطق
صحيح أنّ هناك انخفاضًا حادّا في الأسعار، لكن نسبته تختلف من منطقة إلى أخرى، وكذلك المبيعات “إذ لا معيار أو قاعدة موحّدة في كلّ لبنان بما يتعلق بالسوق العقاري، وفق مكارم “ونسبة الإنخفاض تتوقف على نوعيّة العقار وحجمه وموقعه، فهناك مناطق لا يوجد فيها طلب بالمطلق والأسعار هبطت إلى ما دون الـ 60%، بالمقابل هناك مناطق لم تشهد انخفاضات حادة في الأسعار كما غيرها من المناطق، وبقي الطلب فيها أكبر، على سبيل المثال في فقرا وفاريا لم يصل التراجع في الأسعار إلى 40%، بل أقل. لكن بالاجمال كلّ العمليات تحصل بظل حسومات تصل إلى 60%”.
العقار لحامل الدولار
أمر آخر ساهم في تراجع الطلب، هو انعدام القدرة الشرائية لدى الغالبيّة العظمى من اللبنانيين، وتوقّف الإسكان والقروض العقارية التي ساهمت في تمكين ذوي الدخل المحدود والمتوسط من تملك الشقق. فعليًا انخفضت الأسعار بالنسبة لمن يتقاضون رواتبهم بالدولار، أما الشريحة التي تتقاضى رواتبها بالليرة، فتفوق الأسعار قدرتها الماديّة بأضعاف، ويصبح حلم تملك شقّة ضربًا من ضروب الخيال، على رغم حاجتها للسكن بفعل عمليات الزواج. من ناحية ثانية لا يمكن إغفال أنّ من يدّخر دولارات في منزله لا يجرؤ على إنفاقها على شراء عقار، تحسّبًا لأي مكروه، خصوصًا بعدما أنهارت المؤسسات الضامنة وباتت فواتير الإستشفاء خياليّة.
ماذا عن المغتربين هل حرّكوا السوق العقاري بقدومهم إلى لبنان؟
يجيب مكارم بالنفي “المغترب لا يغرف الأموال في بلاد الإغتراب، ولن يجازف ويستثمر في العقارات، وهو على يقين أنّه قد ينتظر عشر سنوات قبل أن يتحرّك السوق من جديد، إذ لا يمكنه معرفة متى سيخرج البلد من أزمته. في المقاربة التفاؤلية، قد تتحسن الأوضاع بعد ستة أشهر وتلتهب الأسعار من جديد، وقد تطول سنوات، خصوصًا أنّ وضع البلد مكبّل وهناك ضبابية، ولم نعد في سوق ثابت ومعروف الإتجاهات”.
القطاع ينتظر الرئيس المقبل
رغم الهبوط في الأسعار بالنسبة لحاملي الدولار، ليس هناك من مستثمرين راغبين بالإستفادة من التخفيضات بهدف تحقيق الأرباح عند أي ازدهار مستقبلي، كذلك حال مشاريع البناء “فهي متوقّفة في الوقت الحاضر، إذ لا يعرف المطوّرون كيف ستتطوّر كلفة البناء، لذلك هم يتريثون “.
ركود القطاع العقاري لا يقاس فقط بالعامل المالي والقدرة الشرائية، بل هو مرتبط بالواقع السياسي. الكل في وضعية الإنتظار بظل عدم اليقين وفق مكارم “لا أعتقد أن تغييرًا سيحصل في قطاع العقارات قبل الإنتخابات الرئاسية، إذ أنّ هناك حالة من الترقب والأسئلة المرافقة لها، هل سيكون للبنان رئيس جديد للجمهورية أم لا، وهل هناك ترسيم للحدود البحرية أم لا؟ مع الأسف اعتدنا حالة الإنتظار، وربط خياراتنا باستحقاقات البلد الدستورية وغيرها، ونعيش على أمل التحسّن، خصوصًا بعدنا وصلت البلاد إلى مرحلة من الإنحدار المالي والإقتصادي لم يكن في الحسبان”.
يعتبر البعض أنّ الأزمة الحالية أعادت الأسعار إلى مستواها الطبيعي بعدما تضخّمت في السنوات الماضية، لكن إعادة تحريك السوق يحتاج إلى ما هو أبعد من الحسومات، إلى توافر عامل الثقة بالبلد ومستقبله، وهو مفقود “رغم ذلك يبقى الطلب موجودًا وإن كان مجمّدًا في الوقت الراهن” يقول مكارم ” فالمقومات التي يتمتّع بها البلد لا زالت موجودة ، كذلك فيروس إنتماء وشوق المغترب للعودة، ولكن هذا وحده لا يكفي، فكسر جمود السوق العقاري يحتاج إلى الإستقرار السياسي، من هنا ننتظر بداية العهد الجديد، على أمل الإنفراج”.