تصرّفات بوليسية”.. ماذا بعد رفع الراعي السقف في قضية المطران الحاج؟

25 يوليو 2022


كما كان متوقّعًا، حضرت قضية النائب البطريركي العام على أبرشية حيفا والأراضي المقدسة والمملكة الهاشمية المطران موسى الحاج في عظة الأحد، حيث اختار البطريرك الماروني بشارة الراعي رفع السقف متحدّثًا عن إهانة للكنيسة وانتهاك لكرامتها نتج عمّا وصفه بـ”التعرّض” للمطران، من دون العودة إلى مرجعيته، وهي البطريركية.

وذهب البطريرك أبعد من ذلك خلال حديثه، الذي جاء على وقع حشود سياسية وشعبية حضرت إلى الديمان، للتضامن مع الكنيسة، رغم أنّ أيّ دعوات رسمية لم تصدر كما أشيع سابقًا، إذ لم يكتف بالمطالبة بإعادة كل ما صودر من المطران الحاج، ولكنه تحدّث عن “تصرفات بوليسية ذات أبعاد سياسية”، وعن محاولات لتحويل ما جرى معه إلى “مسألة قانونية”.ومع أنّ البطريرك الماروني تعمّد عدم تسمية قوى سياسية بعينها، في سياق حديثه عن هذه المحاولات، إلا أنّه بدا واضحًا من اللهجة التي اعتمدها، أنّه أراد توجيه “رسالة مضادة” لتلك “الرسالة” التي قيل إنّها كمنت خلف رسالة “التوقيف”، التي قرئت جيّدًا في أوساط بكركي على أنّها “استهداف مباشر وشخصي” للبطريرك، بمعزل عن كل محاولات “تبريرها”.
“إهانة للكنيسة”
بالنسبة إلى المتابعين، لا يحتمل كلام البطريرك الراعي، وهو الأوضح منذ تفجّر الأزمة الأسبوع الماضي، أيّ لبس أو غموض، فهو تحدّث صراحة عن “إهانة للكنيسة”، بل “انتهاك لكرامتها”، بعيدًا عن شخص المطران الحاج بحدّ ذاته، في رسالة فهمها كثيرون على أنّها إشارة إلى القوانين التي لا تسمح بمحاكمة أسقف أو كاهن من دون المرور عبر مرجعيته المتمثلة في البطريرك نفسه، علمًا أن المطارنة سبق أن وصفوا ما حصل بـ”المسرحية الأمنية والقضائية”.ويشير العارفون إلى أنّ بعض التعليقات السياسية التي انتشرت في اليومين الماضيين قد تكون أسهمت في زيادة “النقمة” في أوساط بكركي على ما جرى، خصوصًا بعد الموقف الذي أطلقه رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، والذي اعتبر فيه أنّ “التعامل مع العدو خيانة وطنية وجريمة”، وفُهِم منه “إشارة مبطنة” إلى قضية المطران الحاج، خصوصًا أنّه تزامن مع “هجوم افتراضي” تولاه جمهور “حزب الله”، ونخبته أيضًا، منذ اليوم الأول.

ولعلّ ما عزّز من فرضية هذه “الإشارة المبطنة” تمثّل في قول النائب رعد، في سياق تعليقه، إنّ المتعامل لا يمثّل طائفة، قبل أن يضيف تساؤلاً لم يَبدُ “بريئًا”، ومفاده: ” لكن ما بالنا إذا عوقب مرتكب بالعمالة فيصبح ممثلاً لكلّ الطائفة، وتنهض كل الطائفة من أجل أن تدافع عنه؟ فأيّ ازدواجيّة في هذا السلوك؟”، وهو ما فاجأ كثيرين من المراقبين، ممّن كانوا يتوقعون أن يحافظ “حزب الله” على سياسة “النأي بالنفس” التي اتبعها في مقاربة هذه القضية.مساع للاحتواءيرى المتابعون أنّ “مواقف” نهاية الأسبوع أعادت خلط الأوراق من جديد على خط هذه القضية، بعدما كانت “مساعي الاحتواء” قد وصلت إلى مرتبة متقدمة، وأوحت بأنّ “تسويتها” باتت على النار، خصوصًا بعدما أثير عن “التراجع” عن استدعاء المطران إلى التحقيق، من دون أن يعني ذلك إعادة المضبوطات إليه، مع قول مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي إنّه يطبّق “قانون مقاطعة إسرائيل”.في هذا السياق، يؤكد “المتضامنون” مع المطران الحاج والكنيسة بشكل عام، أنّ أيّ محاولات “لفلفة” للقضية لن تكون مقبولة، خصوصًا بعد التدخلات السياسية التي أضحت واضحة بفعل المواقف التي صدرت عن بعض القوى السياسية، ويشيرون إلى أنّ خريطة طريق “احتواء” الملفّ يجب أن تكون معروفة لدى الجميع، وقوامها إقفال القضية كما فُتِحت، بوصفها “سياسية بامتياز”، وإعادة كلّ المضبوطات إلى المطران موسى الحاج.ويشدّد هؤلاء على أنّه لو كان الملف قانونيًا فعلاً، لكان على السلطة أن تسلك الطريق الصحيح للمعالجة، من خلال المرور بالبطريركية المارونية كما تقتضي القوانين، لكن شيئًا من ذلك لم يحصل، لأنّ هناك من أراد على ما يبدو توجيه “رسالة” للبطريرك عشية الانتخابات الرئاسية، وخصوصًا بعد المواقف التي دأب الأخير على إطلاقها في الآونة الأخيرة، والتي كان واضحًا أنّهم لم تكن وفق ما تشتهي “رياح وسفن” بعض الأفرقاء الأساسيّين في السلطة.بمعزل عن “السيناريوهات” التي يمكن لقضية المطران الحاج أن تسلكها في ظلّ مساعي “الاحتواء”، فإنّ مصطلح “التصرفات البوليسية” التي استخدمه البطريرك الراعي في تعليقه الأخير بدا معبّرًا لكثيرين، علمًا أنّ هناك من سأل إن كان يوجّه من خلاله “رسالة” لبعض القوى التي لم تكن مواقفها على قدر التطلعات، ولو تضامنت في وقت متأخر، تحت “ضغط” الحراك العفوي الشعبي الذي فرض نفسه، وفق هؤلاء!