في ذروة الاستعصاء السياسي، يظهر الاستحقاق الرئاسي كفرصة متاحة من أجل إعادة ترتيب الواقع اللبناني وفق مقتضيات محلية غير خاضعة لتاثيرات خارجية، طالما ان الانشغال الدولي بمندرجات الحرب الاوكرانية يدخل لبنان في شرنقة خانقة.
تفيد اجواء ديبلوماسية باعتكاف قوى مؤثرة عن متابعة الشأن اللبناني وفي مقدمتها الجانب الفرنسي الذي لطالما برع في إدارة هذا الملف، ومرد ذلك إلى تشابك المصالح الاقليمية الذي يدفع نحو الانشغال بالواقع الاوروبي بعدما وصلت نسبة التضخم الى معدلات مرتفعة.
ليس بالمقدور على شعوب حوض المتوسط ان تتعايش مع فكرة وصول أوروبا إلى حافة الفقر، طالما ان سنوات طويلة من الهجرة غير الشرعية جعلت من القارة العجوز ملاذا آمنا هربا من الحروب والبطالة والفقر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
لبنان، ليس بمنأى عن هذه التأثيرات، خصوصا مع اقتراب الازمة الى حدود الانفجار الاجتماعي الكامل.
الاستحقاق الرئاسي ، بمثابة فرصة لإعادة ترتيب الوضع اللبناني من دون الخضوع لتجاذبات إقليمية حادة، ورغم ذلك قد تهدرها الطبقة الحاكمة اذا ما استمر منطق المحاصصة و تقاسم مغانم السلطة، وهذا ما يبعث على القلق أمام عقم الحلول من جهة وتوسع رقعة الانهيار في ظل شلل الادارات العامة وشح المحروقات وأزمة الرغيف وغياب الكهرباء.
ليس من قبيل الصدفة ، ان تشهد الساحة المحلية اتقسامات حادة على عدة مواضيع ثانوية او لا تتناسب وحجم الفاجعة اللبنانية ، فتقسيم بلدية بيروت او تضخيم قضية المطران موسى الحاج، واتخاذ القضيتين ابعادا طائفية ومذهبية تهدد السلم الاهلي ، ليستا الا دليلا على الدرك الذي وصل اليه لبنان.
في ظل هذا الإفلاس، يبدو أن لبنان دخل عمليا في مهلة الانتخابات الرئاسية بعدما بات متعذرا عمليا إنجاز انجاز الحكومة خلال شهر طالما ان رئيس مجلس النواب حدد الأول من ايلول موعدا للجلسة الأولى لانتخاب رئيس الجمهورية ، وهذا يعني بأن المخرج الطبيعي للخروج من نفق الظلمات يكمن بالاتفاق على رئيس جمهورية وفق مواصفات محددة.
حدة الانقاسامات بين الأطراف المسيحية الأساسية ، تجعل التسوية الرئاسية دونها تعقيدات كثيرة تكمن في مطالب النائب جبران باسيل التي باتت ترتقي إلى مرتبة الشروط من ناحية، والى قابلية الأطراف الاخرى من الضفة المقابلة للسير بإنتخاب رئيس للجمهورية يشكل امتدادا لعهد الرئيس ميشال عون .هنا تتباين الآراء حول احتمال الوقوع في الشغور في رئاسة الجمهورية تزامنا مع تصريف حكومي يؤدي إلى تبديد فكرة الدولة اللبنانية، أو حصول مفاجئة غير متوقعة والنفاذ بإنتخاب رئيس ، لان ذلك يعني الكثير.