كتب احمد طه:
بينَ الرغبة والواقعيّة، يختار رئيس “التيّار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل الواقع، بأفقه المسدودِ على طموحاته كافّة، فالواقع اليوم يؤكّد أن شعبيته لم تعُد كما كانت عليه في السّابق، وموقعه التفاوضي في أيِّ ملفٍ داخلي لا يتيح له فرضَ الشروط أيضًا، إضافة إلى القضايا الكبرى في المنطقة والعالم الّتي لا تسيِر في اتّجاه أفقٍ ينتظره لقلب الطاولة، كما كان يريد في ١٣ تشرين من العام ٢٠١٩.جبران نفسُه، كان قد اعتقدَ أنَّه مع وصول الرئيس ميشال عون، أدخلَ المسيحيّين في لبنان في مرحلةٍ جديدة من الحكم، بعد ٣٠ سنة على الخسارة التي مُنيَ بها الموقع المسيحيُّ الأوّل بعد اتّفاق الطائف. وحينما أَطلقَ باسيل تسمية “العهد القويّ” على فترة ولاية الرئيس عون، كان يعتقد أنّ اكتساحه المقاعد النيابيّة في انتخابات العام ٢٠١٨، وسطوتِه على الحقائب الوزاريّة إذا ما أضيفت حصّةُ التيّار إلى حصّة رئيس الجمهوريّة، ستكونُ عدّة العملِ التي يتسلّحُ بهل رئيس القصر ومن خلفه رئيس التيّار، لفرض واقعٍ جديدٍ على قوى الطائف. لكنّ الواقعَ لم يغدُ كما اشتهت شراع باسيل، فرياحُ الانهيار الذي بدأ عام ٢٠١٩، وما تبعهُ من أحداث في العام نفسه، من حرائق وتحرّكات شعبيّة، إلى جانب غياب الانجازات في قطاع الطاقة والكهرباء، وسائر مزاريب الهدر، ومن ثمّ انفجار المرفأ، وتعطيل أيّ خطة انقاذ… كلّ ذلك سار بالبلد نحو “جهنم”.ستُّ سنواتٍ أوشكت على الانتهاء، ليغادر الرئيس عون قصر بعبدا، خائبًا. فحلمُ الوصول إلى الرئاسة الذي تحقّق، تبيّن أنَّهُ همٌّ يريد الجنرال عون إزاحته عن كاهله، فهو بات يشعُرُ بالـ “قرف” في آخر أيامِ ولايته كما ينقلُ مقربون إليه. لكنّ هذه اللحظة تعني لباسيل أكثر ممّا تعنيه لأيِّ مرشّحٍ طبيعي لكرسيّ الرئاسة، فهو ليس ممّن ينتظر أن يرتاح الرئيس عون من هذا البلاء فحسب، إنّما يرى أيضًا في هذا الكرسيّ حقّ، كما يراه أيّ ماروني آخر له تمثيله الشعبيّ. لكنّ باسيل أمام عثراتٍ عدّة، ليسَ وحدها الرفض الجماعي له من غالبيّةِ القوى السياسيّة الأخرى والممثّلة في مجلس النوّاب، فباستثناء حزب الله، تجتمع القوى السياسيّة كافّة من ضمنها القوى الجديدة على رفضِ وصول باسيل إلى القصر الرئاسي، لكنَّ ذلك لا يشكّل العائق الوحيد أمام طموحه، فهو يعتقدُ أنّ التسويات المُنتظَرةِ في المنطقة، لا سيّما مع عودة سوريا إلى لعبِ دورها الطبيعي، ستفتح الباب أمام حلول وتسويات داخليّة، قد توصل إحداها باسيل الى بعبدا، إنّما المشكلة التي تواجهه اليوم، هو في الصوتِ المرتفعِ من داخل التيّار، والذي يرفضُ وصولَ باسيل الى رئاسة الجمهوريّة حتّى ولو سنحت له الظروف ذلك.في صالونات التيّار المغلقة والمفتوحة، وقبل أن يفتح رئيس التيّار أيَّ نقاشٍ في موضوع الرئاسة، يبدي العديدُ ممّن يتولّون مراكز حزبيّة في التيار، كما مناصرون كُثُر من المنظّمين وغير المنظّمين، رفضهم من أن يستنسخ جبران باسيل تجربة الجنرال عون، فيصلَ الى كرسيٍّ مشلولِ الصلاحيّاتِ، ومقوّضِ العلاقات الخارجيّة، ومرفوضٍ من الداخل، رسميًّا وشعبيًّا، فالكلّ يعرفُ أن من ابتلعَ وصول عون الى الرئاسة رُغمًا عنه، سيفعل الشيء عينه، في حال وصول باسيل.