شيا تنصح… و”عهد الجحيم” يتبجح

28 يوليو 2022
شيا تنصح… و”عهد الجحيم” يتبجح

غريب أمرها المنظومة الحاكمة التي أوصلت البلد الى جمهورية جهنم، وتغسل يديها صباحاً ومساء من كل مسؤولية، لا بل أكثر فهي تدّعي القيام بإصلاحات مهمة للشعب العظيم، وتفضل بقياداتها من رأس الهرم الى أسفله التنحي عن كل المراكز والمواقع قبل أن تنطق باعترافها “ما خلونا” لأنها عفيفة النفس، وتضع نصب عينيها هدفاً واحداً: مصلحة البلاد والعباد.

وغريب أيضاً أن يتحدث رئيس الجمهورية ميشال عون عن المشاريع التي تحققت خلال الأعوام الماضية وتلك التي هي في طور التنفيذ، معلناً التزام لبنان بإجراء الاصلاحات الضرورية لاستكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في اطار خطة التعافي الاقتصادي.

وهنا لا بد من التساؤل: هل تكونون في صحوكم الكامل عندما تتحدثون عن تحقيق مشاريع في ظل أزمة اعتبرت الأصعب في تاريخ لبنان ومن بين الأسوأ في تاريخ العالم؟ وعن أي اصلاحات تتحدثون، وكل دول العالم قطعت الدعم عن لبنان بسبب فسادكم وسرقاتكم وسمسراتكم، وهم لن يتكرموا بقرش مبخوش واحد طالما حاميها حراميها؟ وأي التزام بالمفاوضات مع صندوق النقد الذي لا يكف عن مطالبتكم بإيقاف الانهيار ومكافحة الفساد، وأنتم لم تقوموا بخطوة واحدة في هذا الاتجاه؟ وعن أي خطة تعاف تتحدثون وأهل البلد يتقاتلون أمام الأفران ويرمون بعضهم بالرصاص الحي للحصول على ربطة خبز؟ وباسم أي بلد تتكلمون طالما أن سلطته التنفيذية رهن الكيديات والأنانيات ومجلس نوابه أقل ما قيل فيه خلال جلسته التشريعية أول من أمس انه “بهدلة”؟

ولأن كل العالم بات على يقين تام بأن المسؤولين في لبنان غير مسؤولين، ولا يريدون الانقاذ، فإن الدول الصديقة والشقيقة، تحاول وضعه على سكة التعافي، على الرغم من أن بعض القوى في لبنان تعتبر ذلك تدخلاً في الشؤون الداخلية، في حين يسأل البعض الآخر: كيف نطلب المساعدة من المجتمع الدولي الذي يشترط الاصلاحات، ونعتبر ذلك تدخلاً؟

وفي هذا الاطار، يؤكد أحد السياسيين أن ما نسمعه من السفراء في لبنان خصوصاً من السفيرتين الأميركية والفرنسية، ليس تدخلاً في الشؤون الداخلية انما يمكن وضعه في خانة التوجيه نحو الأفضل للخروج من الأزمة. انه التدخل الحميد والمفيد، ويناقض كلياً ما تقوم به بعض القوى الاقليمية وعلى رأسها ايران وأتباعها لناحية إغراق لبنان بمزيد من المشكلات والتخبط الذي يمنع دخوله في المرحلة الاصلاحية المتوقعة.

لذلك، لا بد من أن يرحب اللبنانيون الأذكياء والواقعيون والمخلصون بهذا النوع من التدخل. وهنا، لا بد من الاشارة الى الاهتمام الأميركي الواضح بالوضع اللبناني بحيث هناك مسعى متواصل ولجوج لتسوية ملف الترسيم البحري بما يفتح الباب للبنان للافادة من ثروته النفطية والغازية. كما أن هذا الاهتمام يتجلى من خلال إبقاء الوضع الأمني ممسوكاً اذ يتم تزويد الجيش بالمعدات والذخائر وتدريب ضباطه إضافة الى المساعدات التي تهدف الى الحفاظ على المؤسسة العسكرية وعلى فعالية عناصرها الميدانية.

على خط آخر، شددت السفيرة الأميركية دوروثي شيا، على وجوب “ألا يخسر لبنان أي وقت للقيام بإصلاحات لا سيما أمام صندوق النقد الدولي”، معتبرة أن “الاصلاحات ليست لصندوق النقد فقط، إنما هي في الأصل للبنان”.

واذ أكدت خلال زيارتها جمعية الصناعيين امس، “أننا ندرك أن الوقت مهم جداً بالنسبة الى لبنان، ولا يجب إضاعة المزيد من أجل القيام بالاصلاحات”، أشارت الى “ضرورة العمل على استدامة تأمين الطاقة والكهرباء للمستشفيات والمدارس والأعمال والمصانع”، معربة عن استعدادها لتقديم كل الدعم اللازم بما يخدم لبنان واقتصاده، “وكل ما نحاول العمل عليه هو المساعدة على اعادة البلاد الى سكة التعافي”. ودعت إلى “إجراء الانتخابات الرئاسية في وقتها ونحن هنا لندعم الواجبات الدستورية”.

وبالعودة الى الجلسة النيابية التي أقرت بعض مشاريع القوانين ومن بينها القانون المتعلق بتشكيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، والذي يعتبر واحداً من أكثر الملفات حساسية في هذا الوقت في ظل انقسام اللبنانيين على إجراءات المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار الذي ادعى على وزراء سابقين ونواب رفضوا المثول أمامه باعتبار أن محاكمتهم تتم أمام المجلس الأعلى وليس أمام القضاء العدلي، فقد أكد أحد الدستوريين أنه على الرغم من أن التوقيت أثار الريبة لدى أهالي ضحايا المرفأ الذين يعتبرون تعيين أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، محاولة لتمييع قضيتهم كون الوزراء والنواب وتحديداً الوزراء، متهمين بقضية المرفأ، الا أنه يجب القول ان من واجب المجلس النيابي الجديد انتخاب أعضاء المجلس الأعلى، انه واجب دستوري. نتفهم هواجس الأهالي من اعتبار الخطوة محاولة لرمي الكرة مجدداً في ملعب المجلس الأعلى خصوصاً أن الرأي العام والقانونيين منقسمون حول صلاحية من يحاكم الوزراء ويلاحقهم ويحقق معهم.

منهم من قال ان الصلاحية حصرية بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، ومنهم من يتمسك بصلاحية المجلس العدلي.

هذا الأمر، سيقود الى الانقسام مجدداً حول من هي الجهة المختصة والصالحة لمحاكمة الرؤساء والوزراء. لا شك في أن ما يجري حول المجلس الأعلى يصب في خانة المزايدة الشعبوية بين النواب، لكن بوضوح تام، فإن المجلس هو المختص بمحاكمة الوزراء خاصة اذا كان الجرم قد نجم عن الوظيفة أي أثناء تأديتهم لوظيفتهم. ومن يتمسك بالقضاء العدلي يعتبر أن له السلطة في الأمور الجزائية، وأن الوزراء يجب أن يكونوا خاضعين لتحقيقاته وملاحقاته.

هنا، ستنشأ صعوبة جديدة لأن من بين المتهمين قضاة، والذين يحاكمون أمام غرفة من غرف محاكم التمييز. وبالتالي، ستتنازع القضية 3 محاكم: المجلس العدلي بالنسبة الى المتهمين العاديين والنواب، والمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بالنسبة الى الوزراء وغرفة من غرف محكمة التمييز بالنسبة الى القضاة.

الحل الوحيد إن أراد الجميع أن يحسن النوايا هو أن يتم تعديل مواد القانون رقم 250/ 93 بحيث يعطي الحق للمجلس العدلي بملاحقة هؤلاء، كما لا بد من تعديل المواد القانونية المتعلقة بأصول ملاحقة القاضي لأن القضاة المتهمين سيتمسكون بمحاكمتهم أمام قضائهم الخاص.

إذاً، ستصطدم القضية مجدداً بحائط مسدود، مع العلم أنه يحق للأهالي أن يكون لديهم هواجس من المجلس الأعلى، ويتخوفون من تمييع القضية على اعتبار أن المجلس سيراعي الوزراء لكن لا سبيل الى الحل اطلاقاً الا بإلغاء القانون أو بتعديل مواده.

وإذا كنا نتمنى يوماً ما أن نصل الى بلد العدالة، فلا بد من أن نحترم المؤسسات الدستورية.

ولا يجوز أن تكون هناك مؤسسة محاسبة تدعى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وأن نتجاهل وجودها.

المصدر لبنان الكبير