من الواضح أن فريق الرئيس ميشال عون و”التيار الوطني الحر” يخوضان حرباً اعلامية وسياسية بهدف التحريض على رئيس حكومة تصريف الاعمال والرئيس المُكلّف نجيب ميقاتي ورمي كرة التعطيل الحكومي في ملعبه، ما كشف عن عمق الازمة بين الطرفين. لكنّ “العهد” لا يعترف بالتعطيل، بل يسعى من خلال تصريحات مسؤوليه لعرقلة التشكيل عبر الايحاء بالانشغال الكبير بملفّ ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة.
وبعيداً عن الشعارات والعناوين المستهلكة التي يرددها بعض القياديين في “التيار” عبر وسائل الاعلام والتي غالباً ما تكون على شكل مزايدات لا اكثر، وبمعزل عن ما إذا كان فيها شيئ من الصحة بالمعنى السياسي للكلمة، فإنّ تعقيد تشكيل الحكومة يعود بشكل أساسي الى محاولة رئيس الجمهورية ميشال عون تعزيز نفوذه ما من شأنه أن يتيح له الاستمرار في الحكم بعد انتهاء ولايته الرئاسية.عملياً، فإن رفض “الوطني الحر” لأي تعديل وزاري يؤدي بشكل او بآخر الى عدم الاتفاق حول التشكيلة الحكومية، ذلك لأن “العهد” يرغب بأن يبقى حضوره الوزاري مرتبطاً بحصوله على اكثرية وزارية حاكمة اضافة الى بعض الوزارات الوازنة التي تعتبر مفاتيح سياسية ذات ارتباط خارجي.
وفق اوساط سياسية متابعة، فإن اصرار “الوطني الحر” على تولي وزارة الطاقة يتعلق مباشرة بملف التنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقليمية، لا سيما وأن “التيار” يدرك ان هذه الوزارة ستصبح مقصداً لبعض الدول الغربية، اذ إن احد الشروط الاساسية في عملية الاصلاح التي يطلبها الفرنسيون تتركز في قطاع الكهرباء.من جهة اخرى، فإن “الوطني الحر” بات يشكّل استفزازاً سياسياً للمتمسكين “بالطائف” إذ إنهم يعتبرون أنّ انتهاء “العهد” فرصة لزعزعة موقع باسيل السياسي وتخفيف الحضور الكبير للحالة “العونية” التي فُرضت خلال السنوات الماضية وساهمت في عرقلة المسار التقليدي للدولة وأمعنت في تعجيل الانهيار.من هنا، تبدو رغبة بعض القوى السياسية في تحجيم “الوطني الحر” واضحة، حيث بات الاخير يشكّل عبئاً ثقيلاً في مرحلة الاصلاح المرجو، وإن كان هذا الامر ليس هدفاً للرئيس المُكلف نجيب ميقاتي، الا انه حتماً يصرّ على الاحتفاظ بالهامش الواسع الذي يتمتّع به أي رئيس لتشكيل حكومته، ويتمسك بحقّه الدستوري في استبدال بعض الوجوه الوزارية أو اعادة توزيع الحقائب ورفض منطق الاحتكار الوزاري وفقاً لشروط باسيل الذي يسعى لحكومة تلائم طموحاته، وهذا الامر الذي لن يقبل به “التيار” بغض النظر عن الشكل الجديد للحكومة.