أعاد رئيس الحزب “التقدميّ الاشتراكيّ” وليد جنبلاط تموضعه السياسيّ “الوسطيّ” سريعاً، بعدما خاض الانتخابات النيابيّة ضدّ من حاول عزله، ومنتقداً أقرب الحلفاء له، في وقت تحتاج فيه “المعارضة” لتوحيد جهودها، قبل أقل من 35 يوماً على الدعوة لاولى جلسات إنتخاب رئيس الجمهوريّة الجديد. وردّاً على “زعيم المختارة”، أصدرت النائبة ستريدا جعجع بياناً شديد اللهجة، هاجمت فيه جنبلاط بشراسة، الامر الذي يطرح عدّة تساؤلات حول العلاقة بين معراب وجنبلاط، وخصوصاً بعد التحالف الانتخابيّ، والتنسيق بينهما في مجلس النواب .
وقد كانت النقطة الخلافيّة التي طرأت على العلاقة بين “القوّات” و”التقدميّ” عدم إدانة الاخير ما حدث مع المطران موسى الحاج في الناقورة، على الرغم من العلاقة الطيّبة التي تجمع البطريركيّة المارونيّة بالمختارة، وخصوصاً بعد مصالحة الجبل، وقيام جنبلاط في مقابلته التلفزيونيّة الاخيرة، بانتقاد سمير جعجع الذي وصف مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة بالانابة القاضي فادي عقيقي بـ”الخائن”. وهنا يسأل مراقبون: “هل أيضاَ تخلّى جنبلاط عن حليفه المسيحيّ في ملف أحداث الطيونة، التي كان عقيقي ينظر فيها؟”
وثانيّاً، كان لافتاً تمايز “اللقاء الديمقراطي” عن “القوّات” ونواب “الثورة”، عبر إنتخاب النائب فيصل الصايغ، عضواً في المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، قبل تدارك الامر، وإستقالته فوراً، في الجلسة النيابيّة التي عُقدت الثلاثاء الماضي. فقد كان جليّاً الموقف الموحّد لدى “المعارضة” بعدم ترشّيح أيّ نائبٍ منهم لهذه المقاعد، وقناعاتهم الراسخة من تحقيقات المرفأ، ومحاسبة الوزراء السابقين، والرؤساء الذين صدرت بحقّهم مذكرات توقيف، أو دعاهم المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، للاستماع إلى إفاداتهم . وبعد يومٍ من إنتخاب أعضاء المجلس الاعلى، وقّع نواب “الجمهوريّة القويّة” على عريضة، تُطالب بلجنة تحقيق دوليّة في إنفجار 4 آب. ويقول مراقبون: “هل يدعم نواب جنبلاط هذا التوجّه، بعد إصطفافه الجديد، وخصوصاً وأنّ مطلبه كان بالاساس تحقيقاً دوليّاً في ملف مرفأ بيروت؟”
ورغم تأكيده أنّه باقٍ في صفوف “المعارضة”، أعاد جنبلاط تقاربه من كافة الافرقاء، وعلى رأسهم “التيّار الوطنيّ الحرّ”، بعد لقائه النائب غسان عطالله منذ فترة وجيزة، ورفضه الرّد على النائب جبران باسيل، الذي اتّهمه بحماية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وأيضاً، خرج عن المطالب “السياديّة” التي نادى بها منذ العام 2005، والمتمثلة بتطبيق القرار 1559. فرفض جنبلاط نزع سلاح “حزب الله” بالقوّة، دون تنسيق وتفاهمٍ مسبق معه ومع كافة المكوّنات السياسيّة. وأبعد من ذلك، عارض وصول رئيسٍ للجمهوريّة “سياديّ” هدفه تحقيق هذا المبتغى، ما يُفسّره مراقبون أنّه تمايز إضافيّ عن “القوّات”. إلّا أنّهم يُبرّرون مواقفه الجديدة تجاه محور “الممانعة” مرادها تحصين السلم الاهليّ في الجبل، وعدم جرّ الطائفة الدرزيّة إلى إشكالات مع المسيحيين، عبر التقارب مع “الوطنيّ الحرّ”، وعدم تكرار أحداث 7 أيّار مع “الثنائيّ الشيعيّ”، وتبعاتها على المناطق الدرزيّة آنذاك.
ويُشير مراقبون إلى أنّ جعجع اعترف أنّ قائد الجيش العماد جوزاف عون هو أحد المرشّحين لرئاسة الجمهوريّة. ويقول مراقبون إنّ صفات بكركي متواجدة في العماد عون، وهو قادر على جمع كافة الاحزاب حول إسمه، لما تُمثّله قيادة الجيش من مؤسسة عسكريّة وطنيّة، يلتف حولها اللبنانيون. فحتّى الان، لا بوادر حلّ في الانتخابات الرئاسيّة من دون تسويّة، في ظلّ الانقسام الكبير في مجلس النواب، وعدم تشكّل أكثريّة بالمعنى الحقيقيّ.
في المقابل، ورغم أنّه نوّه بعمل قائد الجيش، رفض جنبلاط إدخال العماد عون في السباق الرئاسيّ، وتمنّى أنّ يبقى على رأس المؤسسة العسكريّة. فيكون بهذا التصريح قد خرج مّجدّداً عن سرب “القوّات”. كذلك، يلفت مراقبون إلى أنّ جنبلاط أشاد بالعلاقة التاريخيّة التي تجمعه بال فرنجيّة. من هذا المنطلق، يرى المراقبون أنّ جنبلاط رمى بسليمان فرنجيّة كإسمٍ توافقيٍّ تاركاً القرار لنجله النائب تيمور جنبلاط بحسم توجّه كتلته النيابيّة في موضوع الرئاسة. ويُضيف المراقبون أنّ “الجمهوريّة القويّة” تُعارض بشكل قويّ وصول أيّ شخصيّة من 8 آذار إلى بعبدا. لذا، لوّحت بتعطيل النصاب، كي لا تتكرّر تجربة الرئيس ميشال عون السياسيّة والاقتصاديّة. ويسألون: “هل توقف تصدّي جنبلاط لـ”حزب الله” وحلفائه في “الهيمنة” على القرار السياسيّ مع تموضعه الجديد، ودعوته لترك سلاح “المقاومة” والاهتمام بالشقّ الاقتصاديّ؟”
ويعتبر مراقبون أنّ جنبلاط امتاز بملفات أساسيّة عن “القوّات” و”المعارضة”، وترك أبواب المختارة مفتوحة أمام الخصوم قبل الحلفاء. ورغم أنّه رمى الكرة في ملعب النائب تيمور جنبلاط، الذي يتّخذ الموقع “السياديّ” في مجلس النواب إلى جانب “الجمهوريّة القويّة”، هل يسير بطروحات والده تجاه رئيس الجمهوريّة وسلاح “حزب الله”؟ وهل تبقى العلاقة مع معراب قائمة على التعاون السياسيّ الاستراتيجيّ، أمّ أنّ الخلافات ستفرقهما، وتخسر “القوى السياديّة” معركة الرئاسة ؟