يقترب “حزب الله” من انهاء احتفالاته في ذكرى مرور أربعين عاما على تأسيسه، والتي استمرت لنحو ٤٠ يوما، اذ من المقرر ان تختتم بمهرجان شعبي حاشد يجمع فيه الحزب ثلاث مناسبات تهمه بشكل مباشر، ذكرى انتصار تموز، وتحرير الجرود، والاربعينية. لكن الحزب، الذي بلغ الاربعين عاما ووصل الى مستويات قياسية من القوة في اوجهها المتعددة، يواجه تحديات اساسية واسئلة مصيرية يجب عليه الاجابة عليها في ظل التبدلات الداخلية والاقليمية والدولية.
يملك الحزب رؤية استراتيجية كاملة للاوضاع المتحركة في العالم ولديه سيناريوهات واضحة لكيفية تبدل الامور وتأثير هذه التبدلات على واقعه وواقع حلفائه الاقليميين، لكن هذه الرؤية لا تلغي وجود تحديات حقيقية تواجه الحزب الذي يتعاطى، من خلال علاجه للملفات، بمنطق الاولويات، فيهمل بعض القضايا بالرغم من اهميتها على قاعدة عدم الانشغال عن الاهداف الموضوعة امامه.
بالرغم من تمدده الاقليمي وتحوّله في بعض الجوانب الى قوة اقليمية كاملة الاوصاف، الا ان حزب الله لا يزال غير قادر على التحرك بأريحية على الساحة اللبنانية، واذا كان السبب الاساسي يعود الى طبيعة النظام في لبنان، الا ان عدم وجود رؤية حاسمة من قبل الحزب لموقعه من هذا النظام، يلعب الدور الاكبر في العجز السياسي الذي يعاني منه الحزب الاقوى في البلد.
يحتاج الحزب للاجابة على سؤال اساسي هو كيف يريد ان يكون موقعه في النظام السياسي اللبناني؟ اذ ان هذا السؤال،الذي رافق نمو الحزب في السنوات الثلاثين الماضية، لم يكن له طابع وجودي، لكنه اليوم بات يرتبط بالواقع الاجتماعي والمعيشي لبيئة الحزب المباشرة التي تطلب من الحزب حراكا مختلفا ودورا اكبر، فبعد 17 تشرين بات الحزب مسؤولا بنظر جزء من الرأي العام ما ادى الى تآكل صورته السابقة.
يحتاج الحزب الى معالجة هذا التحدي الذي تتداخل فيه القضايا المعيشية والاقتصادية مع الموقع السياسي ودور الحزب في الحياة السياسية اللبنانية. اما التحدي الثاني فهو الحضور الاقليمي الذي بات هدفا اساسيا لاعداء الحزب. كيف سيتعاطى الحزب مع حضوره في المنطقة، خصوصا وأن الاندفاعة الاقليمية وحجم الدور الذي بات الحزب يلعبه لا يحتمل تراجعا ميدانيا او سياسيا في سوريا مثلا او في العراق. الحزب اليوم هو “الحزب القائد” للمنظومة السياسية والعسكرية المتحالفة مع ايران في العالم العربي.
التحدي الثالث امام حزب الله يتعلق بموقعه من الصراع مع اسرائيل. مشكلة حزب الله الاساسية انه لم يعد حزبا محليا صغيرا يمتلك هامشا واسعا من الحركة، بل ان تعاظم قوته العسكرية يساهم في تكبيله لانه يصبح بوصفه قوة اقليمية محكوما باعتبارات وحسابات سياسية. يمعنى آخر يخسر حزب الله تدريجيا الامتياز الذي تتمتع به التنظيمات غير النظامية من حيث حرية الحركة، لان الحزب بات، بحدود ما، تحكمه اعتبارات الدول، نظرا لعلاقاته السياسية الدولية ونفوذه الاقليمي.
يحتاج الحزب الى اعادة تكريس صورته كقوة مقاومة في العالم العربي والتحرر من بعض الاعتبارات. ولعل فرصة التوتر الحدودي اليوم قد تكون مناسبة جدا، وهذا الامر مرتبط ايضا بالتحدي الرابع الذي يعطيه الحزب اولوية مطلقة، وهو تحد مركًب، اعلاميا وثقافيا واستراتيجيا. يرغب الحزب بإعادة تكريس صراع الحضارات والخروج من النزاع الذي دخل اليه، كما كل المنطقة، بعد اجتياح العراق. اكبر نقاط ضعف حزب الله هي ادخاله في صراع داخل الحضارة الواحدة وهي الحضارة الاسلامية. اليوم يريد الحزب ان يعيد العناوين المشتركة بين السنّة والشيعة لدفن كل مرحلة الصراع السابقة التي كان اقصاها في سوريا.