عشية عودة الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين إلى لبنان، خرج رئيس مجلس النواب نبيه بري، أمس السبت، ببعض المواقف التي فتحَت الباب أمام نقاطٍ أساسية يجبُ الرّكون عندها وعدم إغفالها بتاتاً.
في حديثٍ مع بعض الصحافيين، كان برّي حاسماً وجازماً في تأكيده على أنّ الجواب الأساسي في ملف الترسيم يرتبط بما سيحمله هوكشتاين في جعبته من تسوية، علماً أن وسائل الاعلام الإسرائيلية روّجت خلال اليومين الأخيرين لحلّ لا يشملُ وجود معادلة واضحة تضمن للبنان الخطّ 23 ولا الخط 29.
وبعيداً عن التأويلات المرتبطة بالتسويات والحلول التي تظهرُ من هنا وهُناك، شاءَ برّي أن يقطع كل الرّدود وربط الموقف الأساسي من الترسيم بما سينقله هوكشتاين إلى الجانب اللبناني من فحوى محادثاته مع الأميركيين والإسرائيليين. إلا أنه في الوقت نفسِه، تقصّد الإضاءة على “إتفاق الإطار” في الناقورة كحلّ أساسي يرتبط بالتفاوض، وهو ما يُمكن اعتبارُه معبراً أساسياً للبنان للوصول إلى حلّ قبل بداية أيلول الذي سيشهد استخراج إسرائيل للغاز من حقل كاريش، وهنا النقطة المفصلية.
ضمن كلامِه يوم أمس، لم يأتِ برّي على ذكر أي شيء يخصّ “كاريش” المُتنازع عليه، لكنّ الموقف الحاسِم بشأن الخطوط كان في التالي: “لبنان يريدُ حقل قانا كاملاً.. يا كلّو يا بلاه”. وهنا، ما يمكن استنتاجه من كلام برّي أن الموقف اللبناني لن يتبدّل باتجاه الخط 29 وما سيتضمنه من تسويات ترتبطُ بحقل كاريش، الأمر الذي يتنافى، ولو بجزءٍ بسيط، مع ما يريدُه “حزب الله” على صعيد الترسيم من جهة، وعلى صعيد المعادلة الجديدة التي أطلقها بشأن التنقيب عن الغاز، من جهةٍ أخرى.. ولهذا، السؤال الذي يُطرح بقوّة هنا هو التالي: هل خالف برّي مسار “حزب الله” بشأن ملف الحدود البحرية؟
خلال الآونة الأخيرة، شدّد الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله على معادلة “كاريش وما بعد كاريش وما بعد ما بعد كاريش”. وعملياً، فإن تلكَ المعادلة ثبّتت في أذهان اللبنانيين أن المطلب الأساس بالنسبة لـ”حزب الله” يرتبطُ بحصول لبنان على حقّه من هذا الحقل النفطي، لكنه هذا الأمر ليس دقيقاً بما فيه الكفاية. فمن جهة، كان “حزب الله” يؤكّد وقوفه خلف قرار الدولة اللبنانية بملف ترسيم الحدود البحرية، وهذا الأمر لم ينفهِ نصرالله أبداً في كلّ إطلالاته التي تحدّث عنها في الملف، لكنه في الوقت نفسهِ لم يؤكّد أن حقل كاريش هو من حق لبنان، ما يعني أن المعادلة التي أرساها هي معادلة ردعٍ خالصة وليست مرتبطة بحقّ هنا أو حصّة من الغاز هناك.
بكل بساطة، ما يظهر هو أنّ “حزب الله” أراد إرساءَ تلك المعادلة لدفع لبنان نحو الأمام باتجاه تسوية تصبّ لصالحه، وقد رفع سقف التحدّي على قاعدة “هزّ العصا” في وجه الإسرائيليين. في المقابل، سيكون لـ”حزب الله” موقف واضح من أي قرار تتخذه الدولة حيالَ التسوية في حال حصولها. فإذا كان الخط 23 هو الذي ناله لبنان مع حقل قانا، عندها لن يكون لـ”حزب الله” أي اعتراض، وهذا الأمر يتوافق عليه مع برّي. إلا أن الأمر الآخر الذي لن يسكت عليه الحزب هو عدم منح لبنان أي قرارٍ واضحٍ بالتنقيب عن الغاز في حقوله النفطية.
واستناداً إلى كل ما تقدّم، يمكن تبيان أن برّي يعملُ وفق مسارٍ لا يتعارض مع “حزب الله”، ويأتي ذلك وفق التالي:
أولاً: برّي لا ينفي أبداً حق لبنان في الوصول إلى ترسيم عادلٍ للحدود يضمن الحقوق، وهو أمرٌ يريده “حزب الله” أيضاً.
ثانياً: رئيس مجلس النواب يتمسّك بمعادلة “حزب الله” المُرتبطة بكاريش عندما يتعلق الأمرُ بالرّدع العسكري، كما أنه يزكّي ذلك الموقف بقوة عندما يرتبطُ بضرورة حصول لبنان على الحق في التنقيب عن النفط والغاز ضمن حقوله.
ثالثاً: إنّ برّي لا يُعارض لجوء “حزب الله” لأيّ معركة في حالِ حصولِ تطورات لا تصبّ لصالح لبنان، وهو الأمر الذي حذر منه بالقول: “بكرا بتاخدوا الجواب الشافي وانشالله الذهاب الى الناقورة أحسن ما نروح على مطرح تاني”.
وفي السياق، تقول مصادر مقرّبة من “حزب الله” لـ”لبنان24″ إنّ “برّي لن يكون بمعزلٍ عن أي قرار سيُتّخذ”، موضحة أنّ “أي خطوة عسكرية قد تحصل سيكون برّي على علمٍ بها ولا فك ارتباط معه أبداً، فهو شريكنا بكلّ شيء ومن أكثر الحريصين على المقاومة وعلى خطواتها”.
في خلاصة القول، ما يظهر تماماً هو أنّ النتائج التي ستُفضي إليها المشاورات التي سيقوم بها هوكشتاين هي التي ستُحدّد وجه التغيرات الآتية، علماً أن الأجواء بشأن التسوية ليست إيجابية بما فيه الكفاية لاسيما أن الإسرائيليين ما زالوا يلوحّون لإمكانية عدم تثبيت حق لبنان بالخط 23 ولا بحقل قانا. وحتماً، إن حصل هذا الأمر، فإن كرة النار ستكبُر، وعندها “المطرح التاني” الذي حذر منه بري سنصل إليه، وبالتالي سيكون “المشكل” الذي تحدث عنه نصرالله قد وقع فعلاً.