25 مهندساً تراثياً يرفضون هدم الأهراء حفاظاً على الذاكرة… والمسؤولون “لا تندهي ما في حدا”

31 يوليو 2022
25 مهندساً تراثياً يرفضون هدم الأهراء حفاظاً على الذاكرة… والمسؤولون “لا تندهي ما في حدا”
روزيت فاضل

من له أذنان فليسمع: منذ أواخر نيسان الماضي إلى اليوم جرى تحرك لافت جداً لتجمع من 25 خبيراً هندسياً وتراثياً في إطار الحملة التضامنية لحماية أهراء القمح في مرفأ بيروت.

وقد سار هذا التحرك باتجاهات عدة؛ أهمها إعداد تقرير علمي من قسمين: أولهما هندسي فني يشدد على أهمية المحافظة على الأهراء عموماً ولاسيما من حيث مكانتها التراثية والمعمارية والمحافظة عليها كجزء لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية، وثانيهما، نفسي تعرض فيه المتخصصة في علم النفس الدكتورة ريتا الشباب أهمية بقاء هذا المعلم بالنسبة لأهالي الضحايا، وأهمية تثقيف الصغار والتلامذة على ما حصل في هذا الموقع لتنشيط ذاكرتهم لتفادي عودة عقارب الساعة إلى الوراء.

كلام واضح جداً في الشق الهندسي التراثي، وهو صلب موضوعنا ذكرته المهندسة والمرممة ناتالي شاهين، التي تحدثت بإسم التجمع المذكور، “منوهة بالتعاون الوثيق بين الأطراف كلها في هذه الحملة، بدءاً من نقابة المهندسين، وصولاً الى لجنة أهالي ضحايا انفجار المرفأ، مروراً بممثلين عن سكان المناطق المتضررة، وممثلين عن المختبر العمراني في الجامعة الأميركية في بيروت، والمركز العربي للعمارة، وجمعيات ومؤسسات معنية بالقضية”.

ذاكرة المكان

وأوضحت شاهين أن التقرير “علمي بكل جوانبه، وهو يحمل عنواناً لافتاً جداً هو معلم للهوية، وللذاكرة مع الاهتمام الأوسع بانعكاسه على المكان”. مضيفة “أن بقاء الأهراء أمر مهم للغاية، لأنه سيكون مرجعاً مهماً لأخذ العبر وعدم تكرار المأساة واحترام من استشهد هناك في فاجعة 4 آب 2020…”.

وذكرت أن التقرير رفع إلى جهات دولية معنية بالتراث على غرار المجلس الدولي للمتاحف “ايكوم”، ومنصة “Our World Heritage” المعنية بالمحافظة على المعالم التراثية، اللذين أكدا في رد على التقرير أهمية المحافظة على الأهراء كمعلم تراثي داعم للذاكرة…

حرمة الموت

وعددت شاهين بعض النقاط المهمة الواردة في التقرير المعارضة لهدم الأهراء، وأبزرها أن التحقيق ما زال مستمراً في هذه الجريمة البشعة، ما يفرض الإبقاء على هذه الأهراء، لاسيما في ظل عدم صدور أي قرار بحق مرتكبي انفجار 4 آب”. وأشارت إلى أن “أهالي الضحايا يرددون مراراً أن هذا المعلم هو مقبرة أحبائهم وأي مسّ فيه هو انتهاك لحرمة الموت…”.

ولفتت أيضاً إلى أن “من قرر هدم الأهراء لم يأخذ بعين الاعتبار رأي المحيط السكني لها ورغبته في أبقائها أو زوالها، ما يعكس فعلياً أن القرار لم يستند إلى رأي علمي صادر من مرجعية بمستوى نقابة المهندسين مثلاً، التي رفضت منذ اليوم الأول للفاجعة المس بهذه الأهراء”. وأردفت: “يمكننا التساؤل هنا عن الأسباب الحقيقية لهذا القرار، الذي اتخذ في حق الأهراء المشيّدة في مساحة عامة هي ملك للشعب..”.

وعما إذا كان للسياسة دور في هذا القرار قالت: “لا شك أن غياب أي مقاربة تقنية للجهات الرسمية في هذا الملف يفرض فعلياً اعتبار هذا القرار سياسياً بامتياز”.

وذكّرت الرأي العام أن “مكتب الشركة الهندسية خطيب وعلمي، استند خلال إعداد تقريره عن واقع الأهراء، إلى أن هذا المعلم ليس مرجحاً سقوطها مباشرة”. وأوضحت أن الخبير الأجنبي نويل دوران، الذي أعد تقريراً أيضاً عن الأهراء سبق له أن نبه فيه إلى انحناء الجهة الشمالية من الأهراء المتأثرة جداً بعصف الانفجار، ولم يأتِ على ذكر أولوية هدمها.

مخاطر التخمير

ونبهت من شعور انتاب الجميع في العام 2021 عند بدء الترويج لإمكانية الهدم، بأن هناك محاولة لطمس الحقيقة، ودعوا للتسريع في إعمار المرفأ، رغم أننا نعي تماماً أنه يمكن دمج معلم الأهراء بالتزامن مع ورشة الترميم حفاظاً على الذاكرة.

ولفتت إلى أن “وزير الاقتصاد السابق راوول نعمة سبق له أن نبّه إلى مخاطر عملية التخمير، ما يطرح فعلياً تساؤلات عدة عن عدم تحرك المسؤولين في حينها لضبط الواقع الحاصل اليوم وتفادي السيناريو الاسوأ”. مشيرة “إلى أن الدولة لم تبدِ إلى اليوم أي نية لعملية تدعيم هذه الأهراء”.

ونشير أخيراً الى أن التزام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بأن الأهراء لن تهدم خلال ولايته هو التزام مهدد أكثر من أي وقت. كما أن صمت وزير الثقافة محمد وسام المرتضى مستغرب جداً لأنه سبق له أن أعلن إدراج الأهراء على لائحة الجرد العام للأبنية والمواقع الأثرية والتراثية التابعة للمديرية العامة للآثار في وزارة الثقافة، وسحبها بعد فترة دون أي مبرر منطقي، ما يطرح فعلياً تساؤلاً عما إذا كان كلامه مبادرة إعلامية خصوصاً وأنه لم يتبعه أي تدبير حقيقي لإدراج الأهراء فعلياً على هذه اللائحة.

المصدر النهار