اليوم الأول من آب، عيد الجيش اللبناني الذي يبصم له اللبنانيون على امتداد الوطن، بالأحمر والأخضر والأبيض، بأصابعهم العشرة، بالشرف والتضحية والوفاء على الرغم من كل الصعوبات التي تعترض سبيل هذه المؤسسة التي تعتبر العمود الأساس في الحفاظ على ما تبقى من دولة، وإن تزعزع هذا العمود أو تفتت أو تخلخل، يتحول البلد الى ساحة مستباحة حيث القوي يستفرد بالضعيف، والكبير يأكل الصغير.
كل الأنظار متجهة اليوم الى الاحتفال بالعيد في الكلية الحربية، والذي سيحضره الرؤساء الثلاثة وأركان الدولة، لكن لا يخطر في البال سوى ترداد “عيد بأية حال عدت يا عيد؟”.
لقد عدت في ظروف معقدة لم يشهد لها مثيل تاريخ البلد الحديث. وعدت في أيام قاسية لا بل الأقسى على أصحاب العيد. وعدت في زمن يفتقد فيه البلد رجال دولة حقيقيين يتعالون على الصغائر تحقيقاً للمصالح العليا.
وعدت في مرحلة وصفت بالأدق والأخطر على الكيان، والممسكون بزمام الحكم لا يتواصلون مع بعضهم لا بلقاءات مباشرة ولا عبر وسائل التواصل المتعددة، متناسين أن بين أيديهم وطناً كلف مئات الآلاف من الشهداء وأن كل مواطنيه اليوم أصبحوا شهداء أحياء ينتظرون معجزة ما للقيامة.
في عيد الجيش الذي سيكون الحفل الوداعي لرئيس الجمهورية ميشال عون بحيث ستكون المرة الأخيرة التي يسلم فيها الضباط الخريجين سيوفهم، ينتظر اللبنانيون لقاء يمكن أن يجمع بينه وبين الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، بمسعى من رئيس مجلس النواب نبيه بري، لكن من دون تفاؤل بتحقيق أي خرق في التأليف الحكومي بل سيكون بمثابة لقاء لكسر الجليد بين الرجلين لا أكثر ولا أقل.
إلا أن مصدراً مقرباً من “الثنائي الشيعي” أكد أن هذا المسعى ينسجم مع الدور الوطني الّذي يؤدّيه الرئيس بري من أجل جمع الأفرقاء خصوصاً في الظّروف الاستثنائيّة الّتي نعيشها والّتي تتطلّب تضافر الجهود وليس تنافر المواقف. ولقاء الرّئيسين عون وميقاتي يساهم في تسيير الكثير من الأمور المجمّدة بغضّ النّظر عن تأليف الحكومة الّذي يبدو أنّه وضع على الرّفّ مع البدء عمليّاً في المعركة الرّئاسيّة.
والاحتفال بعيد الجيش مناسبة لاجتماع أركان الدّولة، وهذا ما حصل العام الماضي عندما استقلّ الرّؤساء الثّلاثة سيّارة واحدة وعقد اجتماع في القصر الجمهوريّ بمبادرة من الرّئيس ميقاتي بعد توتّر في العلاقة بين الرّئيسين عون وبرّي.
وفيما يحاول القادة العسكريون والأمنيون الوقوف الى جانب الضباط والعناصر في مؤسساتهم للحفاظ على تماسكها على أمل تخطي هذه الظروف القاسية بأقل أضرار ممكنة، والتنسيق في ما بينهم للحفاظ على الأمن ممسوكًا، فإن الانقسام واضح حول الترسيم البحري بين اللبنانيين إذ أن فريقاً متمسك بالخط 29 وآخر مقتنع بالخط 23 الذي يجري على أساسه التفاوض والتفاؤل بالوصول الى اتفاق بين لبنان واسرائيل.
وبغض النظر عن التأويلات الكثيرة التي يحملها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في جعبته بعدما ترددت معلومات عن أن العدو الاسرائيلي وافق على معادلة الخط 23 مع حقل “قانا” كاملاً للبنان، مقابل حقل” كاريش” كاملاً لاسرائيل، إلا أن الشياطين تكمن في تفاصيل الخط 23، وبالتالي، هنا النقطة الاشكالية التي على أساسها ستجري المحادثات في الناقورة بحيث أن الدولة اللبنانية ستوافق عليها لإعطاء التفاوض فرصة وفق مصدر مطلع. وعلى الرغم من أنه لا يجوز استباق الأمور، ونحن على مسافة ساعات قليلة من اتضاح الصورة أي “الاثنين بتبيّن القرعة من إم قرون” كما يقول الرئيس بري، الا أن كلّ المؤشّرات والوقائع الدّوليّة والإقليميّة تؤكّد أنّ الاسراع في انهاء ملفّ التّرسيم حاجة أوروبيّة وأميركية بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا والبحث عن بدائل لمصادر الطّاقة الرّوسيّة.
وفي وقت تعتبر مصادر مقربة من “حزب الله” أن ما يدفع باتّجاه رضوخ العدوّ الاسرائيليّ لشروط لبنان هو تهديد المقاومة بتعطيل استخراج النّفط والغاز من كامل البحر الفلسطيني ما لم يبدأ لبنان بعمليّات المسح والتّنقيب، فإن قوى المعارضة ترفض هذه المعادلة باعتبار أن المفاوضات قائمة ونتائجها التفاؤلية كانت قبل مسيرات الحزب الذي عندما عرف بأن التفاوض يأخذ منحى جدياً، بدأ باستعراض قوته ليظهر أن العدو الاسرائيلي رضخ للمطالب اللبنانية خوفاً من المسيرات والصواريخ، وهذا غير صحيح، والجميع يعلم أن لبنان يمكن أن يستفيد من الظروف الدولية، والحاجة الأوروبية الملحة الى الغاز، واستعجال العدو للإنتاج، ما يحسن من وضعه التفاوضي.
وفي تطور ملفت في توقيته ومضمونه، نشر الاعلام الحربي في “حزب الله”، فيديو بعنوان “في المرمى… واللعب بالوقت غير مفيد”، بالتزامن مع وصول الوسيط هوكشتاين أمس الى بيروت، وتم تصويره في ٩ حزيران و٣٠ تموز، وأن الرسالة منه للعدو بأن احداثيات منصات استخراج الغاز في المرمى ما يعني أنه إذا لم يأخذ لبنان حقوقه في التفاوض، فإن المقاومة جاهزة لمنع العدو من الاستخراج والانتاج.
وبحسب مصدر مقرب من “الثنائي”، فان استقبال الوسيط الأميركي بهذا الفيديو، رسالة مهمة لكن الأهم كيف سيتم توديعه؟ إذا أتى موقفه سلبياً، فهناك مسيرات جديدة أو صواريخ وإن كان ايجابياً، فلكل حادث حديث.
وفي هذا السياق، أعلنت الخارجية الأميركية أن التوصل الى حل في المفاوضات بين لبنان واسرائيل أمر ضروري وممكن لكن لا يمكن تحقيقه إلا من خلال المفاوضات والديبلوماسية، فيما باشر هوكشتاين لقاءاته أمس مع عدد من الشخصيات الرسمية والمدنية والعسكرية على أن يستكمل جولته اليوم على الرؤساء الثلاثة وبعض المعنيين بملف الترسيم. وعلم موقع “لبنان الكبير” أنه قبل وصول هوكشتاين، جرى العديد من الاتصالات بين المسؤولين لتوحيد الكلمة خصوصاً أنهم يعلمون الرد الإسرائيلي على الطرح اللبناني الأخير، وأن القطيعة بين الرئاستين الأولى والثالثة لن تؤثر على مجريات التفاوض، لكن الجميع ينتظر لقاءات الوسيط الأميركي اليوم لمناقشة بعض التفاصيل التي ستحسم مسار الملف. في حين، لفت أحد السياسيين المعارضين الى أن ملف الترسيم كغيره من الملفات، يخضع للمساومة الايرانية بمعنى أنه اذا كانت تقتضي مصلحة ايران التصعيد، فسينسف “حزب الله” المفاوضات، واذا كانت مصلحتها في التهدئة، فإننا سنشهد اتفاقاً في أيلول أو قبله.
الراعي: العاجزون عن التشكيل سيعجزون عن انتخاب رئيس
على صعيد آخر، أسف البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي لـ”الحادثة التي حصلت منذ يومين في بلدة رميش بين عناصر مسلحة تابعة لأحد الأحزاب والأهالي”.
وأهاب بالأجهزة الأمنية “القيام بواجبها في حماية أبنائنا وطمأنتهم، فيشعرون أنهم ينتمون الى دولتهم وتحميهم بموجب قرار مجلس الأمن ١٧٠١ الذي يمنع أي قوى مسلحة من التواجد في مناطقهم.”
وأكد أنه “لا يمكننا أن نسلم بإغلاق ملف تشكيل حكومة جديدة وكأن الحكومة مجرد تفصيل في بنيان النظام اللبناني. فلا قيمة للتكليف ما لم يستتبعه تأليف”، مستغرباً “أن يكون المعنيون بتأليف الحكومة يسخفون هذا الأمر خلافاً للدستور والطائف”. وقال: “ما نخشاه أنه إذا عجزت القوى السياسية عن التشكيل، فستعجز غداً عن انتخاب رئيس للجمهورية”.
وطالب المسؤولين عن حادثة المطران موسى الحاج بـ “أن يعيدوا اليه جواز سفره اللبناني وهاتفة وأن يسلموا الأمانات من مال وأدوية وأن يؤمن له العبور من الناقورة ككل الذين سبقوه من أساقفة الى أبرشيته ذهاباً واياباً من دون أي توقيف أو تفتيش، وأن يكفوا عن تسمية المواطنين اللبنانيين المتواجدين في فلسطين المحتلة بالعملاء”.
مصادفة انهيار الاهراءات مع ذكرى الانفجار
على مقلب آخر، استذكر اللبنانيون لحظات انفجار مرفأ بيروت منذ سنتين، حين بدأت تتساقط أمس أجزاء من الاهراءات التي نتج عنها غبار قليل لا يشكل أي خطر على صحة الناس خصوصاً وأن الفرق المختصة من جيش وقوى أمنية ودفاع مدني تدخلت لعدم السماح للغبار بالانتشار في الأجواء من خلال رش كميات كبيرة من المياه بمساعدة طوافات الجيش، ما يعني أن المواد السامة لن تتطاير ولن تشكل أي خطر.
ودعا الخبراء الناس الى عدم الهلع وعدم ترك المنازل القريبة من المرفأ خصوصاً وأن التساقط يتم على دفعات، وبالتالي، الغبار لن يكون كثيفاً، وتتم معالجته بسرعة.
وللمصادفة، وفيما يحضر أهالي شهداء المرفأ للذكرى الثانية للانفجار بعد ثلاثة أيام، بدأت تتساقط أجزاء من الاهراءات، وأكد أحد الاهالي أن الذكرى المترافقة مع مشاهد الانهيار فتحت جروحهم التي لم تبلسم بعد بسبب عدم الوصول الى أي نتيجة في التحقيقات، وعاشوا الأوقات العصيبة نفسها خصوصاً وأنهم يطالبون بإبقاء الاهراءات كشاهد على انفجار بهذا الحجم.