استبق حزب الله وصول الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت، بنشر مقطعٍ مصوّر حول عمليات التنقيب في حقل كاريش، يُظهر صوراً وإحداثيات سفن ومنصات استخراج الغاز والنفط المتمركزة على الحدود البحرية، في أمرٍ وجدت فيه تل أبيب رسالة تهديد تنسف المفاوضات وتقوض سلطة الدولة اللبنانية التي تحركت الوساطة الأميركية من جديد بناءً على طلبها. لترسم هذه التطورات الأخيرة علامات استفهامٍ حول القدرة للتوصل إلى حلولٍ قبل شهر أيلول المقبل.
الرسائل المتضاربة
بعد حوالى 48 ساعة من قيام وزارة الخارجية اللبنانية بنشر تغريدةٍ متفائلة بشأن صفقة محتملة مع إسرائيل، كانت رسالة حزب الله من نشر الفيديو بالنسبة للدولة العبرية واضحةً ومفادها “إذا بدأتم في استخراج الغاز كما تخططون الشهر المقبل، فإن حزب الله سيضرب منصة كاريش”.
تدفع رسالة حزب الله والتضارب بين موقف الدولة الرسمي وتهديدات الحزب إياه، حسب صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، إسرائيل للتساؤل عن المزاج السائد في بيروت، فمسألة إرادة لبنان في التوصل إلى حلٍ مقابل خطابات الأمين العام لحزب الله، تطرح عدة أسئلة لا يزال جوابها مبهماً، وأبرزها: من يتحدث باسم البلد؟ وزارة الخارجية، كما هي الحال في معظم الدول العادية، أم حزب الله؟ وهل يتطلع لبنان إلى التفاوض على اتفاقيةٍ مع إسرائيل أم شن حرب عليها؟ وإنطلاقاً من هذا كله من يتوجب أن يصدق صنّاع السياسة الإسرائيليين؟ الحكومة اللبنانية أم حزب الله المدعوم من إيران والذي يمتلك اليد الطولى في إدارة البلاد.
تهديدات نصرالله
وتستفيض صحيفة “جيروزاليم بوست” في تحليل المستجدات الأخيرة، لتجد أن أفضل خيار يبقى بتصديق كليهما (أي الحكومة اللبنانية وحزب الله). فمن ناحية، تريد الحكومة اللبنانية صفقة مع إسرائيل لأن البلاد تغرق بسرعة في مستنقعٍ اقتصادي سيكون من الصعب التعافي منه، كما أن الأميركيين حريصون على التوسط في تلك الصفقة، ويريدون فعل أي شيء يضع لبنان في مسار أكثر إيجابية. ومن ناحيةٍ أخرى، فإن حزب الله في وضع محلي ضعيف، حيث يلقي المزيد والمزيد من اللبنانيين باللوم عليه في مشاكل البلاد التي لا تنتهي. وفي هذه الحالة، قد يكون الحزب مستعداً للانخراط في مغامرة عسكرية لاستعادة بعضاً من هيبته التي اضمحلت.
وتعود الصحيفة لتهديدات نصرالله، فتقول إنه هدد إسرائيل كثيراً في الماضي، متوعداً بقصف محطة توليد الكهرباء في الخضيرة ومطار بن غوريون ومنشأة لتخزين الأمونيا في حيفا. وهو يهدد حالياً بإطلاق صواريخ على منصة غاز كاريش. وتستطرد “من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، التمييز بين خطابات نصرالله الشعبوية، أو متى يجب أن تؤخذ هذه التهديدات على محمل الجد. فعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، كان الانطباع السائد في تل أبيب هو أن التهديدات هذه المرة تستحق أن تؤخذ على محمل الجد أكثر مما كانت عليه في الماضي القريب”.
أما أسباب تعامل الدولة العبرية مع هذه التهديدات بجدية أكبر مما كانت عليه قبل ست سنوات، فتجيب عليها الصحيفة بالقول أن لدى نصرالله ما يثبته راهناً. إذ أنه في ظل حالة الركود التي يعيشها لبنان، وتحميل الكثير من اللبنانيين لحزبه مسؤولية الوضع السياسي والاقتصادي المتردي في البلاد، يحتاج إلى أن يُظهر للبنانيين أنه لا يزال المدافع الأكبر عن لبنان ومصالح لبنان من الإسرائيليين. وبالتالي، فإنه إذا أقدم وأطلق صاروخاً على منصة كاريش، يمكنه تسويق نفسه حينها على أنه متمسك بفخر وبكل ما أوتي من قوة بحقوق لبنان.
الانتقام الإسرائيلي
وتتابع الصحيفة بالقول أن مصالح إيران، التي تسيطر إلى حد كبير على حزب الله، يجب أن تؤخذ في الحسبان. فطهران في حاجةٍ ماسة إلى توجيه ضرباتٍ لإسرائيل، بعد سلسلةٍ من الهجمات داخل إيران نُسبت في وسائل الإعلام الأجنبية إلى الموساد. إضافةً إلى ذلك، فهي حريصة جداً أيضاً على الدخول في اتفاقية نووية جديدة مع الولايات المتحدة ورفع العقوبات المفروضة عليها. وقد يكون تفعيل الحزب ضد إسرائيل في هذا الوقت كإشارةٍ إلى العالم بنوع الضرر الذي يمكن أن تلحقه إيران إذا لم يتم الوفاء بشروطها للعودة إلى اتفاقٍ نووي جديد.
وتشدد الصحيفة على أن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما قرر حزب الله التصعيد، فتشير “على مدى جيلٍ كامل، كان لدى حزب الله صواريخ قادرة على الوصول إلى كل شبر من الأراضي الإسرائيلية. لم يحصلوا عليها بالأمس قط. لكن منذ حرب تموز عام 2006، ومع ذلك لم يستخدموها. ليس لأنهم لا يرغبون في إحداث أكبر قدر ممكن من الخراب والموت والدمار على الدولة اليهودية، ولكن لأنهم يدركون أنهم إذا أطلقوا الصواريخ، فسوف يتعرضون لضرباتٍ شديدة في المقابل”.
أضافت “من الواضح أن إطلاق حزب الله لهذا الفيديو كان خدعةً في الحرب النفسية لبثّ الرعب في قلوب الإسرائيليين. لكن نصر الله نفسه، الذي سخر في عام 2000 من انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان لأن جنودها كانوا ضعفاء وافتقدوا للعقيدة القتالية ما جعلهم أوهن من بيت العنكبوت، يعرف أنه إذا تجرأ على إطلاق النار على منصة كاريش فسيطلق الجحيم على لبنان”.
رسالة أميركية
وعلى صعيدٍ متصل، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بعث برسالة لوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، طالبه فيها بعدم الانجرار وراء استفزازات حزب الله التي تهدف بالأساس لنسف التوصل إلى اتفاقٍ بين إسرائيل ولبنان. موضحةً أن واشنطن تضغط على البلدين من أجل إنهاء مفاوضات الحدود البحرية، ولافتةً إلى أن الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين سيأتي إلى إسرائيل فور انتهاء محادثاته في لبنان.
وتنقل الصحيفة عن مصادر مطلّعة على الأمر أن هذا الأسبوع سيكون هناك تقدمٌ كبير في المفاوضات، مع إمكانية التوصل إلى اتفاقية بين البلدين، متابعةً “أميركا تسعى لخلق واقع تكون فيه الأطراف المعتدلة مسؤولة عن الاتفاق من دون أي تأثير من حزب الله الذي يحاول أن يلائم الاتفاق لنفسه”. وتابعت “هناك خوفٌ في واشنطن من أن حزب الله سيخلق استفزازات في اللحظة الأخيرة، الأمر الذي دفع المسؤولين الأميركيين للطلب من إسرائيل أن تكون حذرة، خصوصاً أن الإدارة الأميركية تريد إنهاء الملف باتفاق بين تل أبيب وبيروت”.