الجيش جمعهم في عيده. وكذلك فعل الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين. الصورة الأولى من اليرزة. أما الثانية فمن بعبدا. في المناسبة الأولى كان اللقاء بروتوكوليًا. فذكرى الإحتفال بعيد الجيش تجمع كل الوطن فكم بالحري المسؤولين عن هذا الوطن. أمّا المناسبة الثانية فلم تكن برتوكولية على الإطلاق. وبعدما كان مقررًا أن يلتقي كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس حكومة تصريف الأعمال الوسيط الأميركي كلّ على إنفراد، إتُخذ القرار في اليرزة. وقال الجميع: إلى بعبدا درّ. المهمّ أن الرؤساء الثلاثة إستمعوا إلى ما حمله هوكشتاين بإذن واحدة، وأبلغوه موقف لبنان الرسمي على ما حمله معه من أجوبة إسرائيلية وتمنيات أميركية بفم واحد.
كم هي مؤّثرة صورة اللقاء الثلاثي، سواء في اليرزة أو في بعبدا. وكم هي مطلوبة في كل يوم، بل في كل ساعة. فإن لم يكن اللقاء ثلاثيًا فعلى الأقل ثنائيًا. والمقصود هنا بين الرئيس ميشال عون والرئيس نجيب ميقاتي بصفته رئيسًا مكّلفًا تشكيل الحكومة. ماذا كان يمنع رئيس الجمهورية بعد إنتهاء الإجتماع الثلاثي مع هوكشتاين أن يهمس في أذن الرئيس المكّلف، ويقول له: إذا كان من الممكن أن تبقى قليلًا لنبحث في التشكيلة الحكومية؟
فلو كان في نيةّ الرئيس عون تسريع عملية التشكيل كما قال في كلمته في إحتفال الجيش، حيث أكد تمسكه بتشكيل حكومة جديدة، معتبراً أن عدم حصول ذلك يعرض البلاد لمزيد من الخضات ويعمق الصعوبات المالية والاقتصادية، لكان فعل ما يجب أن يفعله أي رئيس عليه أن يكثر من “المنايح هوي ورايح”. لو طلب الرئيس عون هذا الأمر من الرئيس ميقاتي، الذي سبق له أن ألغى كل مواعيده في السراي الحكومي، فما كان منه إلاّ أن لبّى له هذا الطلب، وهو الذي طلب منذ ما يقارب الشهر موعدًا من الدوائر المعنية في القصر الجمهوري ولم يلقَ جوابًا سوى ما قاله مدير المراسم في القصر نبيل شديد للمتصل به من السراي الحكومي: “منرجعلكم”. وهذا يعني أن شديد ابلغ من يجب إبلاغهم فكان الجواب على الأرجح: “خليهن ينطرو. ما في شي مستعجل”. فخامة الرئيس، بكل محبة نقول ما يقوله الناس: البلد متروك لأقداره. الذّل يلاحق الجميع في كل مكان وكل زمان. أمام الأفران يكون الذّل متربصًا بالمواطنين الذين يقفون في طوابير البحث عن رغيف بات مجبولًا بالعرق والدمّ.
فخامة الرئيس، الحكومة مطلوب تشكيلها اليوم قبل الغد، والأمس قبل اليوم. المواطن العادي، الذي لا تعنيه السياسة ولا تهمّه كثيرًا ما “يُطبخ” في الكواليس، يريد حكومة كاملة الأوصاف لتستطيع على الأقل في الفترة القصيرة المتبقية من عهدك (ثلاثة أشهر) التفاوض مع صندوق النقد الدولي. فتشكيل حكومة، أي حكومة، من ضمن الأطر الدستورية السليمة غير الخاضعة للإجتهادات “الباسيلية”، أولوية من بين الكثير من الأولويات. فالمطلوب منها كثير في وقت قصير.
فخامة الرئيس، الشعب الذي تهاوت أحلامه، الواحد تلو الآخر، يستحثّك على الإقدام، ولا نقول قبل فوات الآوان، لأن هذا الآوان قد فات بالفعل، بل على الأقل من أجل إستلحاق ما يمكن إستلحاقه في هذه الاشهر القليلة التبقّية من عهدك.