العدالة تتوجع… انهيار الاهراءات وإفلات سماحة

3 أغسطس 2022
العدالة تتوجع… انهيار الاهراءات وإفلات سماحة

انها مصادفة غريبة أن يترافق انهيار أجزاء من اهراءات مرفأ بيروت مع الذكرى الثانية لأكبر انفجار غير نووي في التاريخ، فجّر قلب العاصمة عصر الرابع من آب 2020 بحيث أبت هذه الصوامع أن تبقى شامخة في عزها فيما أهالي الضحايا مكسورو الخاطر وكأنها تقول إن الحجر أرحم من البشر في التعامل مع بعضهم البعض، لكن الأغرب أيضاً أن يتزامن خروج الوزير السابق ميشال سماحة، ناقل المتفجّرات السورية، من سجنه بعد انقضاء مدة محكوميّته التي وصلت الى 13 سنة سجنية (ما يعادل 10 سنوات) مع الأشغال الشاقة وتجريده من حقوقه المدنية، مع الذكرى الأليمة بحيث ربط اللبنانيون بين مشهد انهيار الاهراءات وأصوات الطقطقة الناتجة عن التصدع والغبار والنيران المشتعلة داخلها ورائحة المحتويات المحترقة، وبين مشهد اعتقال سماحة في آب 2012 باعتبار أنه في ذلك اليوم نجا لبنان وأهله من طقطقات وتصدعات انسانية وربما طائفية ومناطقية وغبار ودخان أسود على مدى الوطن، لأن المتفجرات التي كان ينقلها سماحة من سوريا إلى لبنان كانت غايتها استهداف شخصيات لبنانية ورجال دين.

وفي هذا الاطار، يقول أحد المطلعين على الملف إن المنطق القانوني يقر بأن هذا الرجل أمضى وأنهى مدة الحكم الصادر بحقه، لكن السؤال الأهم والأخطر اليوم هو: هل ملف سماحة لا يزال مفتوحاً خصوصاً أنه عمل لصالح النظام السوري وتحديداً علي مملوك الذي عليه مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة العسكرية؟ وهل من عمل لصالحه سماحة سيعيد الكرة معه مجدداً؟ ومن هي الجهة السياسية التي ستتلقف سماحة وتحتضنه وتستقبله؟ وماذا لو تم استنساخ ميشال سماحة آخر أو بواسطته يعيد تحريك آلة القتل التي كانت تعد لاستهداف عدد كبير من الشخصيات؟ وهنا لا بد من الاشارة الى أن اللواء وسام الحسن دفع ثمن كشفه هذه الشبكات. فهل من وسام الحسن آخر سيدفع الثمن اليوم؟ وكيف يمكن لسماحة أن يكون بين أهله أو في بلدته من دون خجل؟ هل العميل يشفى من عمالته؟ قضية سماحة قضية أمنية ارهابية على مستوى الأمن القومي في لبنان على أمل أن تلغى كل المحاكم الاستثنائية ومنها المحكمة العسكرية المعروف لمن تخضع وكيف تحكم، ويجب أن تبقى فقط لادارة جرائم العسكريين وما يتعلق بالمؤسسات الأمنية والعسكرية. وبالتالي، يمكن القول ان القضاء ليس بألف خير.

على مقلب آخر، وفيما ارتبط شهر آب باللهيب والمتفجرات، يستعد أهالي شهداء المرفأ لاحياء الذكرى، وهم مصرون أكثر من أي وقت مضى على الوصول الى الحقيقة، ومؤمنون بأنه اذا كان للباطل جولة فللحق ألف جولة، واذا كان المسؤولون اليوم يعرقلون التحقيق، فسيأتي يوم تتغير هذه السلطة مهما استبدت في قراراتها، والتاريخ خير دليل. سيتم احياء الذكرى الأليمة على الطريق العام مقابل المرفأ ليتمكن الجميع من المشاركة فيها والتوقيع على علم كبير للمطالبة بإظهار الحقيقة، كما على عريضة سيرفعها الأهالي الى الأمين العام للأمم المتحدة خلال زيارة يجري التحضير لها، لاخباره بصورة مباشرة عن العرقلة التي يتعرض لها التحقيق. كما ستنطلق 3 مسيرات: واحدة من أمام قصر العدل وأخرى من وسط بيروت والثالثة من أمام فوج الاطفاء، وستلتقي عند المنصة حيث ستكون هناك كلمة لمكتب حقوق الانسان الدولي وأخرى باسم الاهالي للتحدث عن كيفية الاستمرار والاعلان عن خارطة عمل للسير في التحقيق قدماً وصولاً الى الحقيقة، والقسم أمام الجميع على عدم النسيان ومتابعة المسيرة. فيما يعتبر الأهالي أن كل ما يشاع حول انهيار الاهراءات هدفه تخويف الناس كي لا يشاركوا في احياء الذكرى.

وإذا كان الأهالي باتوا على يقين بأن لا دولة في لبنان، ونعيش في “حارة كل مين ايدو الو”، فإن أحد المراجع الدستورية اعتبر أنه بانفجار المرفأ انفجر قلب لبنان، قلب لبنان العيش المشترك.

الانفجار أودى بحياة مئات الضحايا مع التشديد على أنهم ليسوا شهداء لأن الضحية لا ناقة لها ولا جمل في حين أن الشهيد يناضل من أجل قضية. وبالتالي، من غير المقبول أن الانفجار الذي لم يميز بين الناس وبين الأطفال وكبار السن، ألا تعطيه الطبقة الحاكمة حقه بحيث أظهرت منذ اليوم الأول أنها تريد الاستمرار في السيطرة على التحقيق الى حد الشلل خصوصاً عندما شعرت أنه يشكل خطراً عليها.

إذاً، أبقت السلطة التحقيق بين يدي القضاء اللبناني التي تعرف أنه مشرذم، وبين الأجهزة الامنية التي تعرف أن امكاناتها محدودة.

كان يجب منذ البداية اللجوء الى لجنة تقصي حقائق دولية للوصول الى نتائج علمية في أقرب وقت ممكن، لأن اللجنة لا تعترضها الحصانات أو استخدام حق التقاضي لشل حركة المحقق العدلي.

جربنا القضاء اللبناني والأجهزة الأمنية والطبقة السياسية، الذين جميعهم لم يعطوا أي نتيجة ولن يعطوا نتيجة في المستقبل، والحقيقة لن تظهر الا من خلال تحقيق دولي. نتمنى الصبر لأهالي الضحايا، لكن هناك قناعة اليوم لدى غالبية الشعب اللبناني بأنه اذا أردنا الوصول الى نتيجة في التحقيق يجب التوجه نحو تحقيق دولي من خلال الطلب من الأمم المتحدة أن تتحرك في هذا الاتجاه، وتقرر ارسال لجنة تقصي حقائق كما حصل حين استشهد الرئيس رفيق الحريري، لكن يجب الضغط عليها من المنظمات غير الحكومية التي تهتم بحقوق الانسان وبدولة القانون من أجل ارسال مثل هذه اللجنة خصوصاً أن هذه المنظمات باتت فاعلة أكثر من الدولة التي لم يعد لها مصداقية في المجتمع الدولي.

مع العلم أن هناك فرقاً بين المحكمة الدولية ولجنة تقصي الحقائق الدولية.

ما قامت به لجنة التحقيق بعد استشهاد الرئيس الحريري كان أصعب تحقيق يمكن أن يشهده بلد، واستطاعت خلال سنتين أن تسمي بالأسماء من خطط ونفذ وشارك.

نحن لا نطالب بالمحاكمة أمام المراجع الدولية انما الاستعانة بلجنة تحقيق دولية تكون كل الأدلة متوافرة لديها، اذ من يقتنع بمقولة انه لا يوجد أي قمر اصطناعي التقط الصور لحظة الانفجار؟ هذا يعني أن الدول لم تعد مهتمة بما يجري في لبنان أو أنها لا تريد التعاطي مع الطبقة الحاكمة.

لجنة التحقيق قادرة على أن تكشف كثيراً من الأمور التي لا تزال غامضة بالنسبة الينا لأن لا تعاون دولياً مع لبنان في التحقيق لكثرة مشكلاتنا التي تشظى منها الجميع.

وهنا لا بد من التنويه ببعض القضاة المستعدين للقيام بواجباتهم انما الطبقة السياسية لم ولن تسمح لهم بالعمل، وتصر على شل حركتهم.

على سبيل المثال اذا أردنا تعديل القانون بأن كل مدعى عليه يحق له طلب رد القاضي مرة واحدة وليس مرات متتالية في وقت أن لجنة الادارة والعدل فيها نواب صادرة بحقهم مذكرات توقيف ومطلوبين أمام المحقق العدلي.

كيف يمكن تمرير القوانين الاصلاحية المتعلقة بانفجار المرفأ ونرى أن أهم لجنة في البرلمان فيها مطلوبون للعدالة؟ من هنا يمكن القول ان هناك نوعاً من اليأس. واذا لم تدر الأيام ويوضع البلد على سكة دولة القانون وليس على سكة أمراء الحرب ورؤساء الميليشيات، فالتحقيق الدولي وحده الذي يظهر الحقيقة.

ولم تكتف السلطة بكل العرقلة، فالاهراءات تنهار اليوم بفضلها لأنها تحاول محو رموز الانفجار من الواقع ومن الذاكرة. وفي الخلاصة، لا بد من التأكيد أنه لا يموت حق وراءه مطالب. انها قاعدة يجب أن نقتنع بها جميعاً كلبنانيين ولا يجوز أن نفقد الأمل بالحقيقة لأن اتجاه الهواء سيتغير والدولاب سيبرم وسيأتي يوم يحاكم فيه الفاسد ويذهب الى السجن، وتظهر الحقيقة ناصعة.

المصدر لبنان الكبير