جريمة العصر… وكأن لا قانون ولا من يحزنون

3 أغسطس 2022
جريمة العصر… وكأن لا قانون ولا من يحزنون


المواصفات التي أُطلقت وتُطلق على جريمة الرابع من آب 2020 كثيرة من حيث خطورتها، ولكنها غير كافية وتبقى قليلة قياسًا إلى حجم معاناة جميع الذين تأذوا من جراء هذا الإعصار، الذي أطاح بالبشر والحجر. 

أكثر من مئتي بريء قضوا في ساحة جريمة العصر. أكثر من خمسة الآف جريح لا يزال كثير منهم يعانون بعد مرور سنتين على هذه الجريمة، التي لم يُكشف بعد عن المجرمين الذين إرتكبوها.  
فأمام هول هذه الجريمة وما خلّفته من مآسٍ وما تركته من صور دراماتيكية لا تزال تلك اللحظات الرهيبة ماثلة أمام جميع الذين عايشوا تفاصيلها ومآسيها، وهي صور لا يمكن نسيانها بسهولة، على رغم قول البعض أن الوقت كفيل بالتخفيف من وقع المأساة ولكن ليس على الأم الثكلى، وعلى الأب المفجوع، وعلى الحبيب الملوّع، والصديق الملهوف. 
ما حصل في ذاك اليوم المشؤوم كان يومًا لم تشهد له العاصمة بيروت مثيلًا له،  وهو شبيه إلى حدّ كبير بالزلزال الذي ضرب بيروت سنة 551، الذي زعزع أسس أهم مدينة، التي أطلق عليها لقب “بيروت أم الشرائع”. 
صحيح أن الحرب اللبنانية ببشاعتها وقذارتها تركت بصماتها البشعة على لؤلؤة البحر البيض المتوسط، التي تغنّى بها الشعراء، وكانت قبلة السياح وعشاق الجمال، ولكن ما شهدته هذه المدينة التاريخية في لحظات كان أقسى وأعتى من دمار حرب دامت سنوات.أمام هول هذه المأساة وفظاعتها تسقط كل الإعتبارات والحصانات، وتسقط معها كل الذرائع والتبريرات، وذلك من أجل كشف الحقيقة المطلقة، وإطلاق يد القضاء، وعدم التدّخل في مسار التحقيق العدلي. المهمّ أن يُترك القضاء يقوم بعمله، وألا تكون التدخلات السياسية سببًا لإستمرار تمييع التحقيق وإخفاء معالم الجريمة، التي لا بدّ من أن يكون هناك من مسؤول عنها، سواء أكانوا فاسدين، وهم كثيرون، أم مقصّرين، وهم لا يعدّون ولا يحصون. 
لا أحد يصدّق أن هذا الإنفجار هو من صنع الأشباح، أو هو نتيجة الصدف والأقدار. بالطبع هو ليس قضاءً وقدرًا، بل هو ناتج عن مسؤولية تراكمية، منذ اللحظة الأولى، التي أدخلت فيها مواد نيترات الأمونيوم بهذه الكميات الكبيرة إلى مرفأ بيروت، وتخزينها في عنابر المرفأ من دون حسيب أو رقيب. حتى أنه لم يُعرف حتى كتابة هذه السطور من أدخل هذه المواد المتفجرة والخطيرة، ومن هي الجهات التي كانت تستفيد منها، ولماذا تُركت طوال تلك المدّة من دون أن يحرّك أي من المسؤولين ساكنًا، ولماذا كانت كرة المسؤولية تقذف جزافًا ومن دون هوادة من هذه الجهة على تلك، ولماذا لم تتحرك الأجهزة الأمنية طوعًا من دون أوامر مسبقة للكشف عن هذه المواد الشديدة الخطورة؟ 
في الذكرى السنوية الثانية لجريمة العصر، التي لم تحرّك ضمائر بعض المسؤولين، الذين لا يزالون يتعاطون مع مسبباتها ونتائجها بكثير من الخفّة واللامبالاة، وكأن لا قانون ولا من يحزنون. في هذه الذكرى الأليمة فلتسقط كل الأقنعة، وليرفع سيف العدالة فوق رؤوس الجميع، ولتكن محاسبة الفاسدين والمقصرّين والمهملين بداية لإستعادة القضاء لهيبته، ولتثبيت العدالة وفرضها بقوة الحق والقانون،علّ ذلك يخفّف عن أهل الشهداء بعضًا من هول ما اصابهم وخسارتهم التي لا تعوّض. بعد مرور سنتين، التي لم يغمض فيها جفن أم مفجوعة، من حقّ أهل الشهداء الذين سقطوا في لحظة تخّلٍ، ومن حقّ جميع اللبنانيين أن يعرفوا من هم هؤلاء المجرمون الذين تسبّبوا بهذه الجريمة الكبرى. نريد أن نعرف الحقيقة. ولن نعرفها بالتأكيد ما دمنا نتلهى بالقشور. من قال أن ببقاء الإهراءات كما هي بتشوهاتها، وهي الآيلة إلى السقوط التلقائي، نستطيع أن نصل إلى الحقيقة.  يريدون لنا أن نتلهّى بالقشور حتى تبقى الحقيقة خفيّة. الحقيقة في مكان آخر. الحقيقة تُكشف حين يعود بعض القضاء الى قيم القضاء بكل ما لهذه الكلمة من معانٍ.