انفجار المرفأ: وجع لا تطويه الايام

3 أغسطس 2022
انفجار المرفأ: وجع لا تطويه الايام


غدا عند الساعة السادسة وبضع دقائق مساء.. الوجع بحجم الكون. الألم يحاصر بيروت، ويلف كل لبنان بزنار اسود. قبل عامين، كان علي وليليان ولارا وسحر والكسندرا والياس، ينعمون بحياة، سطروا فيها مع الاحلام والطموحات مواعيد لا يحدها فضاء ولا نيترات كانت بانتظارهم لتسلب منهم شبابهم او تجعلهم أجسادا بلا أرواح. فاستسلموا بلا عناد.
 
علي مشيك، كان يعمل حمّالاً في المرفأ مقابل 24 ألف ليرة يومياً. أب لـ3 أبناء. حلم بمجرد عيش كريم ولم يعرف انّه سيقتل في اليوم التالي من أجل 5000 ليرة، بعدما عاد الى المرفأ بعد انتهاء عمله لتفريغ حمولة، وكسب ليرات قليلة. يشبه علي طبقة كبيرة من الكادحين، في جيبه كانت صورة يتيمة، المستند الوحيد الذي عرّف عنه بعدما عُثر على جثته عائمة في البحر بعد أيام على انفجار المرفأ. جثث ثلاث عُثر عليها إضافة الى جو عقيقي وإبراهيم الأمين، والى عدالة ربهم انتقلوا. 
 

 
أما لارا حايك، فتبحث في صورها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومقاطع الفيديو الموجودة، تراها شابة جميلة مفعمة بالحياة، تتكلم وكأنها ترقص فرحاً، فلها من العمر الكثير لتعيشه. تستحق الحياة حتماً. ها هي اليوم، ترقد في المستشفى لا حول لها ولا قوة بعدما أصيبت وهي نائمة في غرفتها جراء الانفجار. اصابتها الضربة في رأسها ما أدى الى نزيف في عينها، ولا تزال لغاية اليوم تعيش جسداً بلا روح، كما يعيش كثيرون ممن أصيبوا إصابات بالغة.
 

 
 
ضحية الحضانة ايضاً 
كما لارا كذلك ليليان شعيتو، التي خطفت ابتسامتها مرتين .مرة بانفجار المرفأ وغيبوبة لازمتها جراء الإصابة لاكثر من عام ونصف، ومرة عندما حُرمت من ابنها علي. تجسد ليليان بمأساتها وجع لبنان منذ انفجار المرفأ، صعوبات في استكمال العلاج، لا تستطيع النطق بعد، والكلمة الوحيدة التي بالكاد تتمتها هي “علي”، ابنها الذي انتزع زوجها حضانتها منها، ولم تشاهده سوى لمرات قليلة من خلال “الفيديو كول”. هي اليوم ترقد في سرير بارد تستكمل علاجها وفي يدها دمية، جلبتها شقيقتها علّها تتحسس فيها تعويضاً “كاذباً” عن غياب ابنها أو ربما يتركها تعيش على قيد أمل بأنها ستعود وتلتقي بعلي يوما ما.
أمّا سحر فارس، شهيدة فوج الإطفاء، فكان لديها هي أيضا حلم. حلمت بفستان ابيض الى جانب خطيبها جيلبير قرعان، بالامومة، بالاستقرار، ولكن حلمها لم يكن على قياس وطن، بل على قياس تلك الدماء التي كانت بحجم وطن. وبقي لليوم جيلبير ينادي عروسه: “عروستي الحلوة البطلة”، و”نيال السما فيكي يا قديسة. خلّي عينك علينا يا عروس وصليلنا نحنا بحاجتك كتير”.
 
الكسندرا والياس 
وفي الجنة ملاك ايضاً، اسمها الكسندرا نجار، قبل يوم من الانفجار اعتلت كتفي والدها كما تحب ان تفعل دائما. صغيرة لم تتجاوز السنوات الأربع، بشعرها الأشقر وابتسامة جميلة لعبت وملأت ضحكتها ارجاء المكان. وكما الغد في الذكرى الثانية على انفجار المرفأ، خُطفت روحها وطفولتها البريئة. فمن ينتقم لروحها؟.
 
وقبل أيام من الذكرى السنوية لانفجار المرفأ، أطلقت عائلة الشاب الياس خوري، أحد الضحايا، جمعية تحمل اسمه وتسعى إلى دعم تعليم تلامذة غير ميسورين في مجالي الهندسة المعمارية والفنون اللذين كان الياس من هواتهما. هكذا كان إذا حلم الياس، الشاب الطموح، الذي استذكره زملاؤه على مقاعد الدراسة خلال حفل تخرّجهم من المدرسة في حزيران الماضي. رفعوا له قبعة التخرج، ورفعت معها كل الكلمات التي تعبر عن حجم الحزن الشديد.
 
هؤلاء وغيرهم كُثر من الضحايا الاحياء والاموات، تركوا فينا ندوباً كثيرة اصابتنا في العمق كما اصابت عائلاتهم المفجوعة على غياب وحسرة، الى حين أن تتحقق العدالة.