كتبت رواند بو ضرغم في لبنان الكبير بعد عامين من الاستثمار السياسي لأكبر القضايا الانسانية، عادت قضية انفجار مرفأ بيروت لتسلك المطالب الواقعية والأكثر فعالية، ولو كانت متأخرة.
لم تجلب الاستنسابية القضائية والاستثمارات الخارجية سوى تضليل للتحقيقات وهدر لحقوق الضحايا وذويهم. ولو أن المزايدين لاقوا الرئيس سعد الحريري من اللحظة الأولى، بإسقاط الحصانات عن الجميع، رؤساء وحكومات الى أصغر الموظفين، لكنا وصلنا الى تحقيقات نزيهة وعادلة، ولو ضغط من يطالب اليوم بلجنة تقصي حقائق دولية مع الحريري، لكانت اللجنة قد تشكلت وسلكت مسارها.
الا أنه بعد سنتين على انفجار المرفأ، استفاق البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي على مطلب لجنة تقصي الحقائق الدولية، ولاقته “القوات اللبنانية”. إنما الأهم هو صوت أهالي الضحايا الذين ضاقوا ذرعاً بالتحقيقات والمحققين والسياسيين وتجار الرسائل السياسية على حساب دماء الأبرياء.
المؤكد أن رياح التحقيقات جاءت بعكس ما كان يشتهيه بعض من تاجر بقضية المرفأ، لذلك برز التشكيك بنزاهتها بعد أن رفع لواء المحقق العدلي طارق البيطار، وخصوصاً أن أهالي الضحايا والموقوفين على حد سواء استطاعوا كشف تورط بعض المسؤولين في الجيش وبعض القضاة في الابقاء على نيترات الأمونيوم في المرفأ ومحاولة تحييدهم عن الاتهامات.
بدأت الحقيقة تتكشف أمام أهالي الضحايا، والوثائق تؤتي بثمارها، فخفت التصويب على إهمال السياسيين، وتركز على مرتكبي الجرم بإبقاء المتفجرات في أكثر المناطق حيوية. وأثبتت الوثائق الموقعة من “اليونيفيل” أن الجيش علم بوجود النيترات وتعامل معها بخفة. ولم يجد البيطار أي داع للتحقيق الجدي مع المسؤولين منهم، لا بل “حاك التسويات” معهم، بالتحقيق مع بعضهم صورياً وعدم سجنهم، أو الاكتفاء بتسطير منع السفر بحقهم أو وضعهم تحت الحجر المنزلي، وهذا الأمر رفضته قيادة الجيش اللبناني.
انتهت مسرحية الرهان على انفجار المرفأ لتنفيذ الأهداف السياسية، واستُنفدت كل وسائلها قبل الانتخابات النيابية، وبرهنت النتائج أن الضغوط الخارجية أخفقت في تجيير غضب الأهالي في وجه السلطة السياسية، وسقط الانقلاب الذي كان البعض يسعى الى تحقيقه.
وبعد أن فقد البيطار دعم أهالي الضحايا له، بمطالبتهم بلجنة تقصي حقائق دولية لعدم الوثوق بنيته في محاسبة المرتكبين من دون استنسابية، يُفترض بالبيطار أن يتخلى عن أنه مُرسل من الله ليخلّص الناس من الفاسدين، كما يقول أمام ملتقيه، ويجدر به أن يتنحى عن الملف بعد التشكيك بتحقيقاته ونزاهته. ويكون بذلك أسقط معه كل الدعاوى بحقه، ويعود التحقيق الى الواجهة مع محقق عدلي جديد يولي اهتماماً للقضية بكامل جوانبها، ولا يتلهى بالاهمال الوظيفي لأهداف سياسية.
أما مدى إمكان تشكيل لجنة تقصي حقائق دولية فمستحيل بعد عامين من الجريمة، وخصوصاً أن البلاد في ظل حكومة تصريف أعمال لا تجتمع.