أولويات الخارج… الرئاسة في آخر اللائحة

10 أغسطس 2022
أولويات الخارج… الرئاسة في آخر اللائحة


تبدو الدول الشقيقة والصديقة، التي كانت تولي الإنتخابات الرئاسية في لبنان أهمية خاصة، منشغلة هذه المرة عن هذا الإستحقاق بإمور أخرى أكثر أهمية بالنسبة إليها. كثير من هذه الدول، التي كانت تُعتبر مؤثّرة في تحديد وجهة الإختيارات الداخلية لهوية رئيس الجمهورية اللبنانية، لا تعير هذه المرّة أهمية بالغة لهذه العملية. ومردّ إنعدام هذه الحماسة هو في أغلب الظن بسبب إنشغال كل دولة، صغيرة كانت أم كبيرة، بإمورها الداخلية وبإيجاد حلول لأزماتها الإقتصادية نتيجة التضخم المالي العالمي، الذي يؤثّر سلبًا على إقتصادات معظم الدول، وبالأخصّ تلك التي تعتمد على الغاز والنفط في تسيير دورتها الإقتصادية. 

فما يهمّ تلك الدول، وبالأخص تلك التي تعتبر نفسها معنية بالوضع اللبناني أكثر من غيرها من الدول الأخرى، هو أن تأتي الإنتخابات الرئاسية من ضمن “باقة حلول” تكمّل الواحدة الأخرى. وأول ما يتبادر إلى الذهن عندما تُطرح الأولويات، يأتي موضوع ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل في طليعة هذه الأولويات، لأن من شأن توقيع إتفاقية تفاهم بين لبنان وإسرائيل، وإن بطريقة غير مباشرة، وبوساطة أميركية، أن يفسح في المجال أمام كل من لبنان وإسرائيل بإستخراج ما تختزنه الآبار الواقعة في نطاقهما الجغرافي من كنوز تعّول عليها الدول الأوروبية كثيرًا، وهي مقبلة على فصل شتاء قارس تحتاج فيه إلى تعويض الناقص الناجم عن توقّف تدفق الغاز الروسي إليها بفعل تداعيات الحرب في أوكرانيا. 
ويأتي في ثاني هذه الأولويات، قبل إنخراط لبنان في إنتخابات غير محسومة النتائج، ما يُعَّول عليه إنمائيًا بالنسبة إلى تقدّم المسار التفاوضي بين الحكومة اللبنانية، وإن كانت تصرّف الأعمال، مع صندوق النقد الدولي، مع ما لهذه المفاوضات من أهمية على مستوى إدراج لبنان على قائمة الدول الساعية إلى الخروج من أزماتها الإقتصادية والمالية. 
وأهمية ما يمكن التوصّل إليه من نتائج عملية في المفاوضات اللبنانية مع الصندوق الدولي تكمن أيضًا في مدى إلتزام لبنان بالسير قدمًا في سلّة من الإصلاحات المالية والإقتصادية والإدارية الضرورية، التي يجب أن تسبق أي إستحقاق آخر. 
وفي رأي أكثر من خبير دولي أن إنتخاب رئيس جديد للجمهورية من دون أن يسبقه إتفاق لبناني – لبناني على حل متكامل يشمل توقيع إتفاقية ترسيم الحدود البحرية، والسير ببرنامج تفصيلي للإصلاحات، يشبه إلى حدّ كبير حال من يحاول أن يعبىء ماء في سلّة. 
فإذا كان الوقت يدهم اللبنانيين، إذ لم يبقَ من ولاية الرئيس ميشال عون سوى شهرين ونصف الشهر تقريبًا، فإنه من الضروري، في نظر المتعاطين بالشأن اللبناني، توافق اللبنانيين على سلّة متكاملة من الحلول الممنهجة تترافق مع تهيئة المناخات المؤاتية لإجراء إنتخابات رئاسية وفق أسس واضحة المعالم والأهداف. 
حتى الآن، يبدو التوافق اللبناني – اللبناني متعذّرًا، أقله على الحدّ الأدنى من العناوين الرئيسية لأي حل محتمل وممكن، إذ أن لكل فريق سياسي داخلي أجندته الخارجية، ولكل منهم رؤيته الخاصة التي تتعارض مع رؤية الطرف الآخر.  
والدليل إلى ذلك إستمرار اللبنانيين منقسمين في “معسكرين” مختلفين ومتناقضين، في التوجّه والأهداف، ومن الصعب التوصّل إلى ما يقرّب بينهم، خصوصًا أن لكل منهم تحالفاته الداخلية، التي لا تنسجم في مقارباتها للأزمات المتراكمة، وتصرّ على البقاء في “خنادق” متقابلة ومتناقضة، حتى إثبات العكس. وهذا العكس لن يتظّهر في تسويات جديدة، وفق ما هو ظاهر حتى الآن.