توصيف الأزمة أهم من “بروفيل” الرئيس

12 أغسطس 2022
توصيف الأزمة أهم من “بروفيل” الرئيس


كتبت هيام قصيفي في” الاخبار”: تريد باريس من الملف الرئاسي اختيار شخصية من خارج النادي السياسي، واضعة مواصفات اقتصادية ومالية. معارضو اقتراحاتها يناقشون أولوية توصيف الأزمة السياسية، وليس اختيار البروفيل الاقتصادي.

انطلق الكلام عن مواصفات محدّدة لرئيس الجمهورية وفق معايير فرنسية، تتداولها الدبلوماسية الفرنسية في بيروت، والتي باتت تكرّس لبننتها عند كل مفترق عبر دخولها في زواريب محلية. وهي كانت، الى الأيام الأخيرة، تحاول تسويق فكرة الرئيس الاقتصادي – المالي. رافضو الفكرة من عدد من القوى والشخصيات السياسية المعارضة، والى حدّ ما من قوى موالية، يرون أن تشخيص الأزمة هو المشكلة بينهم وبين مروّجي الاقتراح من فرنسيين ولبنانيين. فالفرنسيون كانوا يسعون الى تسويق فكرة الرئيس المالي والاقتصادي انطلاقاً من مقاربة الأزمة الراهنة بأنها أزمة اقتصادية مالية، وما يستتبعها من مشكلات مصرفية وكهربائية ونفطية ورؤية اقتصادية ومالية متكاملة لإنقاذ الوضع اللبناني. وهذا الأمر ليس جديداً، بل بدأ منذ مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
فعدم الاعتراف بأن أزمة لبنان سياسية بالدرجة الأولى، وهي التي جرفت معها كل ما في لبنان من تحدّيات وأزمات متشابكة على مستوى كل القطاعات والفساد والاهتراء المستشري، يعني أن فرنسا تحاول التغطية على جوهر الأزمة، ما يعني إبقاء الجمر السياسي تحت رماد افتعال حل وهمي يتعلق فقط بإدارة أزمات اقتصادية ومالية، معزولة عن وضع حلول للأزمة السياسية المتفاعلة منذ سنوات. وبذلك تكون باريس تقفز فوق حقيقة المشاكل التي يعانيها لبنان، وهي باعتراف كل القوى السياسية من معارضة وموالاة أزمة سياسية بحت، بغضّ النظر عن أسبابها المتناقضة. فكيف يمكن مقاربة وضع لبنان في منطقة متفجرة، وبعد كل الأحداث التي رافقت أزماته الأخيرة، والتأثيرات الإقليمية، أن تعزل فرنسا الخضّات الأمنية والسياسية لتركّز اهتمامها على معالجة الأزمة الاقتصادية بمعزل عن كل الأطر السياسية. وكيف يمكن، مثلاً، معالجة الوضع الاقتصادي بمعزل عن التأثيرات السياسية الداخلية، كما في قطاع المصارف الذي هو أكبر قطاع خاص، والذي سخّرت كل أجهزة الدولة والسلطة السياسية والأمنية أدواتها لحمايته وتغطية ارتكاباته؟ وكيف يمكن استطراداً إدارة الأزمة السياسية، ومعالجة أي نقاش يتعلق بمستقبل النظام اللبناني وبعلاقات المكونات اللبنانية، في ظل نهج يحاول واضع خططه حصره في إطار اقتصادي منزّه عن كل كلام سياسي، يتعلق بحقيقة انقسام اللبنانيين والقوى السياسية بين مشاريع سياسية، وبين مؤيدي حزب الله ومعارضيه؟

الواضح حتى الآن أن مخترعي الأفكار الفرنسية يفتشون عن مواصفات لإلباسها للرئيس الجديد. وهذا ليس أمراً متعارفاً عليه أن يحدد بروفيل الرئيس قبل معالجة أسباب الأزمة التي ستجعل برلمان عام 2022 غير قادر على عقد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، ما دام القرار الإقليمي لم يصدر بعد بانتخابات رئاسية في المدى المنظور.