“عِبَر” حادثة “فدرال بنك”.. بين حقوق المودعين واستغلال السياسيين!

12 أغسطس 2022
“عِبَر” حادثة “فدرال بنك”.. بين حقوق المودعين واستغلال السياسيين!


للوهلة الأولى، بدا الخبر كما تناقلته وكالات الأنباء العالمية، وليس فقط وسائل الإعلام المحلية، أو مواقع التواصل الاجتماعي، “صادمًا”، فرغم أنّ لبنان شهد جولات من الفوضى والجنون، إلا أنّه نادرًا ما شهد عمليات “احتجاز رهائن” بقوة “السلاح”، بعيدًا عن أجواء المسلسلات أو الأفلام “الهوليوودية” الشهيرة، التي تحبّب الجمهور عادةً بـ”المجرم البطل”.

 
لكن، على أرض الواقع هذه المرّة، وفي قلب منطقة الحمرا المكتظة، كانت الأحداث أقرب إلى “فيلم هوليوودي” غير مألوف، فعنوان “مسلح يحتجز رهائن” الذي تناقلته وكالات الأنباء، على صحته ودقته في نقل المعلومة، بدا “منقوصًا”، أو بالحدّ الأدنى غير “أمين”، لأنّ العملية لم تكن بالطريقة “التقليدية” التي يعرفها العالم، والتي تكون خواتيمها “مأساوية” في معظم الأحيان.
 
وتمامًا كما في المسلسلات، لم يكن “بطل” القصّة الواقعية، التي لم يتخيّلها كتّاب السيناريو يومًا، “مجرمًا” بالمعنى الدقيق للكلمة، إذ إنّ الرجل لم يفعل ما فعله بدافع السرقة مثلاً، وإنما للمطالبة بحقّ يفترض أن يكون بديهيًا، وهو الحصول على أمواله، رغم التفاوت في مقاربة “الطريقة” التي اتبعها، والتي ينبغي أن تخضع للدرس الدقيق من قبل جميع المعنيّين بلا تأخير!
 
“تضامن وتعاطف”
 
رغم التباعد بين القصّتين، من حيث الرمزيّة والدلالة، شبّه كثيرون حادثة اقتحام “فدرال بنك” في الحمرا بالسلسلة التلفزيونية الشهيرة “Money Heist” للكثير من الأسباب والاعتبارات، منها ربما “البروباغندا” التي أحاطت بالعملية، ليس فقط لجهة فتح وسائل الإعلام هواءها لنقل الوقائع على الهواء مباشرة، ولكن قبل ذلك، لحملات “التعاطف” التي رافقتها، حيث تحوّل محيط المصرف إلى ساحة تحرّكات تضامنية “عفوية”، كما كان يحدث في المسلسل “الخيالي”.
 
هكذا، أصبح “الخيال” واقعًا في لبنان، بل إنّه ليس مُبالَغًا به القول إنّ الواقع اللبناني، بسريالته الصادمة في الكثير من جوانبها، تفوّق على “خيال” أهمّ وأقوى المؤلّفين والكتّاب في العالم، حتى إنّ أحدًا من هؤلاء لم يفكّر يومًا بكتابة فيلم عن مسلح يقتحم مصرفًا ليطالب بالحصول على جزء من الأموال التي أودعها بنفسه في المصرف، بل ربما لو كُتِب سيناريو من هذا النوع، لتعرّض للهجوم بسبب “عدم واقعيّته”، وذهابه بعيدًا في “المبالغة” المشروعة دراميًا.
 
لكنّ هذا بالتحديد ما حصل في “فدرال بنك”، فـ”محتجز الرهائن”، كما صُوّر في الإعلام، أو الرجل “الغاضب” الذي تسلّلت الكاميرات لأخذ صوته، و”المتهوّر” ربما برأي البعض، ممّن اعتبروا أنّ فعله حوّله من صاحب “حق” إلى “ظالم”، لم يفعل سوى المطالبة بالحصول على حقّه، ليستطيع أن يعيش وعائلته بكرامة، علمًا أنّ بعض المعلومات أشارت إلى حاجته للأموال لتأمين “طبابة” والده، وهو العاجز رغم امتلاكه “افتراضيًا” لعشرات الآلاف من الدولارات.
 
“المعالجة المطلوبة”
 
انتهت الحادثة، على خطورتها، وربما “حساسيّتها”، على خير، وبأقلّ الأضرار، لكنّها فتحت، بمعزل عن “الاتفاق” الذي قيل إنّه تمّ التوصّل إليه في نهاية المطاف، والذي يحصل بموجبه المودع على جزء “يسير” من أمواله، إلا أنّها فتحت مرّة أخرى سجالاً أخلاقيًا، بعدما انقسم اللبنانيون في مقاربتها، بين من اعتبر الرجل “بطلاً حقيقيًا”، وأشاد بـ”شجاعته وجرأته”، وبين من رأى أنّ اللجوء إلى العنف لا يمكن أن يكون “حلاً”، مهما بدت الدروب صعبة.
 
لكن، أبعد من هذا “السجال”، ثمّة معالجة جدية مطلوبة، تتخطى بأشواط مثل هذا النقاش، معالجة تعود بالفعل لا القول إلى “جذور” المشكلة، لأنّ الشاب الذي خرج عن طوره بالأمس، قد لا يكون سوى عيّنة من عشرات الشبّان الذين قد يلتحقون به في فترات مقبلة، لأنّ قدرة هؤلاء على “الصمود” في ظلّ الأزمة الاقتصادية الخانقة، المصنّفة من جانب البنك الدولي على أنّها بين الأسوأ في التاريخ عالميًا، لن تستمرّ طويلاً، وفق ما يؤكد كل الخبراء.
 
وإذا كانت هذه “المعالجة” يجب أن تمرّ عبر درب السياسة، من خلال الشروع في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية المطلوبة، والتي شرعت حكومة تصريف الأعمال أساسًا في تطبيقها رغم كلّ محاولات التشويش والعرقلة، فإن المشكلة الكبرى التي تصطدم بها تبقى “الاستغلال السياسي”، وهو ما تجلى في بعض البيانات التي صدرت أمس، وأرادت “توظيف” الحادثة لتصفية بعض الحسابات خارج زمانها ومكانها، ومن دون مراعاة الوضع.
 
لا شكّ أنّ حادثة “فدرال بنك” لا يجب أن تمرّ مرور الكرام، وإن مرّت، فإنّ حوادث مشابهة ستتكرّر، وقد تصبح “موضة الموسم”، أو “ترند” إن جاز التعبير. ولا شكّ أيضًا أنّ المطلوب من المسؤولين الكثير، لإعادة “ثقة” المواطنين بالدولة ومؤسساتها، فضلاً عن النظام المصرفي. لكنّ ما لا شكّ فيه أنّ المعالجة المطلوبة يجب أن تكون مسؤولة، لا لحظوية ولا شعبوية، لأنّ المطلوب اليوم “أكل العنب” لا “قتل الناطور” رغم كلّ شيء!