لقاء بعبدا الرئاسي… فيلم عوني طويل

18 أغسطس 2022
لقاء بعبدا الرئاسي… فيلم عوني طويل

بعد أيام من الهمود والركود والهدوء على الساحة السياسية، عادت المحركات الى عملها الطبيعي الا أن نتائجها تبقى في اطار “الحركة بلا بركة” على اعتبار أن غالبية القوى تتعاطى مع المرحلة الحالية على ايقاع تقطيع الوقت، واختراع حلول ترقيعية ماورائية وغير واقعية وصولًا الى نهاية العهد الحالي الذي لا يرغب أحد في منحه أي نقاط ايجابية بعد 6 سنوات من الأزمات المتراكمة والمتلاحقة على غرار ازدياد وتيرة ادخال المواد الغذائية غير الخاضعة للفحوص المخبرية والتي تعرض صحة الناس للخطر وكأنه منذ العام 2016 الى اليوم لم يتعرض البلد وأهله لخسائر جسيمة يصعب تعويضها، ولو وضعوا تحت المجاهر المخبرية لتبين أنهم يعانون من كل أنواع فيروسات السلطة القاتلة.

بالأمس، أتت خطوة رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي مفاجئة الى القصر الجمهوري تماماً كدعوته مجلس الوزراء الى الانعقاد بصورة طارئة بعيداً عن الأضواء أول من أمس، بحيث أشار بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون الى أنه تم البحث في ملف تأليف الحكومة، وفي التشكيلة التي قدمها الى عون في 29 حزيران الماضي، وأن التواصل سيستمر لأن وجهات النظر متقاربة، وللحديث صلة.

وفي هذا الاطار، لفتت مصادر مقربة من ميقاتي الى أن هناك نوايا حقيقية لتشكيل حكومة جديدة. واللقاء كسر الجليد بين الرئيسين، وعندما يقول ميقاتي ان للحديث صلة يعني أن البحث في التشكيلة التي كان قد قدمها يشهد حلحلة ما على الرغم من العقد الكثيرة، وليس مستبعداً أن يكون النقاش انطلق من التصور الذي وضعه ميقاتي للحكومة التي يرغب في تشكيلها، وواضح جداً أنه تم التطرق الى الأسماء والحقائب. خلال اللقاء كان هناك نوع من الليونة التي تجسد رغبة في التشكيل خصوصاً أن التواصل سيستمر على هذا الصعيد، مع التأكيد أن العلاقة بين الرئيسين جيدة ومحكومة بالاحترام المتبادل. ولا يمكن الحسم أنه سيكون هناك لقاء آخر خلال الساعات الـ 48 المقبلة أو أن الحكومة ستشهد ولادة قريبة لأن ذلك يتوقف على سير النقاش والتشاور بين الرئيسين. وكل ما يقال عن أن مثل هذه اللقاءات تصب في خانة تقطيع المرحلة وايهام الناس بأن السلطة فاعلة، غير دقيق لأن وضع البلد لا يسمح بأي مناورات أو فبركات أو خطوات للشعبوية. ان اللقاء محاولة لخرق المراوحة القاتلة والقاتمة على الرغم من الفترة الزمنية القصيرة التي تفصلنا عن الاستحقاق الرئاسي. ولا بد من الاشارة الى أن البلد بحاجة الى حكومة كاملة الصلاحيات لمواكبة المرحلة المقبلة الدقيقة بحيث أن حكومة تصريف الأعمال ستبقى مقيدة وتعمل في الاطار الضيق، مع استبعاد النظرية القائلة ان مؤشرات استحالة انتخاب رئيس للجمهورية، تحتم تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات.

أما من هم في الضفة الأخرى، فيعتبرون أن اللقاء بين الرئيسين عون وميقاتي ليس سوى مشهد من مسرحية اعتدنا على ممثليها وأبطالها الذين يؤدون أدوار البطولة في الضحك على الناس، والاستخفاف بعقولهم إذ هل يمكن أن نصدق أنه بعد كل البيانات والبيانات المضادة، والقطيعة غير المسبوقة بين رئيس جمهورية ورئيس مكلف، نسيا بين ليلة وضحاها كل التنافر والتباعد بينهما؟ ربما يكون ذلك حصل بتدخل سماوي بعد الاتصال الذي جرى بينهما في عيد انتقال السيدة العذراء، لكن يبقى اللقاء بلا نكهة ولا لون ولا مفعول يصرف على أرض الواقع خصوصاً أن “التيار الوطني الحر” يعمد الى سياسة وضع العصي في الدواليب خلال تأليف الحكومات، وقبل تسمية الرئيس ميقاتي، وذلك بهدف تحسين شروطه السياسية من خلال الضغط تارة والتهويل تارة أخرى ومن خلال الاجتهادات غير القانونية وغير الدستورية. المهم أن تتغير الذهنية والنهج في التعاطي، وحينها تتشكل حكومة فاعلة، وينتخب رئيس على قدر طموحات الشعب اللبناني.

على صعيد آخر، تواصل الفاعليات والقيادات المسيحية زياراتها الى المقر الصيفي للبطريركية المارونية في الديمان حيث يجري البحث مع البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في الملف الرئاسي. واستقبل الراعي أمس وفداً من حزب “الكتائب اللبنانية” برئاسة النائب سامي الجميل الذي شدد على “أننا سنقوم بكل ما يمكن لنقدّم شخصية كفوءة لديها خبرة وقدرة على طرح الحلول البنيوية على أن تكون قادرة على جمع اللبنانيين كافة”، معتبراً أنه “اذا أراد حزب الله أن يستمرّ بأخذ لبنان رهينة فيجب ألا يتوقّع أن نتعامل معه بالطريقة التقليدية والعادية”.

وكشف أحد المشاركين في اللقاء لـ “لبنان الكبير” أنه تم التباحث في الموضوع الرئاسي كبند أساس بحيث تم التشديد على عدم السماح بحصول الفراغ على مستوى الرئاسة الأولى، والبطريرك واضح في حثه القوى السياسية على توحيد الجهود للتوافق على اسم شخصية تستطيع ايجاد الحلول لأزمات البلد، وتكون لديها القدرة على التواصل مع الدول بحيث أن اقتصاد لبنان لا يقوم الا عبر الانفتاح وليس عبر الانعزال كما هو حاصل اليوم. وبالتالي، فإن من الطبيعي التشاور مع البطريرك في الملف الرئاسي ووضعه في أجواء اللقاءات التي تحصل في هذا الاطار، كما تطرقنا الى مختلف الأزمات المتتالية وحالة البلد المتدهورة وكيفية وضع حد لهذا التدهور. الحل يكون من خلال انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وعلى عاتق المجلس النيابي خصوصاً النواب الذين يدّعون السيادة والتغيير أن يتوصلوا الى رؤية مشتركة، وتسمية شخصية تكون قادرة وحكيمة. وربما في الأيام المقبلة ستتبلور نتائج الاجتماعات التي تعقد بين كتل المعارضة التي تتباحث في برنامج رئيس الجمهورية المقبل ومواصفاته واسمه خصوصاً أن كل الجهود تبذل وستبذل من أجل رص الصفوف وتوحيد الرؤية.

وفيما تواصل عقارب الاستحقاق الرئاسي دورانها باتجاه ساعة الحسم، يصعّد رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل كما رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع من مواقفهما، بحيث أن الأول يتمسك بالرئيس الذي يحظى بتمثيل نيابي ووزاري “فتمثيله ليس نظرياً فهو يتجسد بكتلة نيابية وكتلة وزارية تدعمه وتزيد من قوة صلاحياته وموقفه”، في حين يطرح الثاني انتخاب رئيس تحد “نحن بأمس الحاجة اليه، وإذا لم نأتِ برئيس يتحدى سياسات جبران باسيل وحزب الله، فكيف سيتم الإنقاذ؟”. موقفان يعتبر المحللون السياسيون أنهما أعادا ملف انتخاب رئيس الجمهورية الى المربع الأول بعد أن كان الحديث متقدماً عن امكان التفاهم على رئيس تسووي أو توافقي خصوصاً أن من الصعب السير باسم شخصية معينة من دون موافقة أكبر كتلتين مسيحيتين.

وفي الأثناء، لا يستبعد مراقبون تكرار سيناريو أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات في حال وصلنا الى الحائط المسدود بالنسبة الى انتخاب الرئيس، فحينها رفض عون الاعتراف بانتخاب الرئيس الأسبق رينيه معوّض رئيساً للجمهورية في الخامس من تشرين الثاني سنة 1989، كما رفض إخلاء القصر الجمهوري ثم تلاحقت الأحداث وااغتيل معوّض بعد 17 يوماً من انتخابه في عيد الاستقلال، وانتخب النواب الياس الهراوي رئيساً جديداً، واتخذ القرار بإنهاء عصيان عون على السلطة الشرعية، بينما كان يصر على مواجهة الضغوط الداخلية والاقليمية والدولية بالقوة ويجيّش مناصريه للمقاومة فتوافدوا في مظاهرات الى ” قصر الشعب”.

ويشير عدد من السياسيين الى أن علينا أن نتوقع أي أمر من الرئيس عون، ولا نستغرب لجوء فريق العهد الى فبركات وفذلكات دستورية أو تحركات ومظاهرات باتجاه القصر الجمهوري لحث الرئيس على عدم ترك البلاد الى الفراغ في حال لم يتم انتخاب رئيس جديد. لكن في الوقت نفسه، فإن الواقع يقول ان سيناريو 1989 و1990 لن يتكرر لأن الوضع الداخلي والاقليمي والدولي تغيّر، والقوى المحلية كما المجتمع الدولي لن يتساهلا مع ظاهرة خرق الدستور، كما أن القوى السياسية في البلد على تنوعها واختلافها مع بعضها البعض أكانت سيادية أو ممانعة أو تغييرية مجمعة الى حد ما على التخلص من العهد المشؤوم إضافة الى أن شعبية “التيار” تقلصت كثيراً، ولن تتمكن من تشكيل حشد أو قوة ضاغطة على هذا المستوى ما يعني أنها غير قادرة على قلب الطاولة على المستوى الشعبي حتى أن بندقية “حزب الله” لن تكون في أي حال من الأحوال بتصرف التمديد. وفي الخلاصة، الدستور واضح إذ لا يمكن لأي رئيس أن يستمر في القصر الجمهوري بعد انتهاء ولايته، ولا بد من احترام الاستحقاقات والمهل الدستورية.

المصدر لبنان الكبير