حوار “الإخوة – الأعداء”

19 أغسطس 2022
حوار “الإخوة – الأعداء”


عندما كان رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط يهاجم سلاح “حزب الله” في عزّ المعارك الإنتخابية النيابية لم يكن أحد يتصّور أنه قد يأتي يوم ويجلس مع وفد من الحزب ليتحاور معه في القضايا الوطنية المشتركة، والتي لا خلاف عليها. 

الإنطلاقة جيدّة. ولا أحد يمكنه أن يقف في وجهها. فالحوار مطلوب بين الجميع، وبالأخصّ بين المتخاصمين والمتباعدين والمختلفين. ومن شأن الحوار أن يقرّب المسافات، ويضّيق شق الإختلاف، ويبني الجسور بين ضفة وأخرى، ويسهّل عملية التواصل. 
فإذا كان الحوار ضروريًا بين المتخاصمين فكم بالحري بين أبناء الوطن الواحد، الذين تجمعهم مصلحة مشتركة، خصوصًا أن ثمة قناعة لدى جميع اللبنانيين بالتمسّك بكل مندرجات مقدمات الدستور، وبالأخص الفقرة “أ” التي تنصّ على أن “لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه، واحد أرضًا  وشعبًا ومؤسسات في حدوده المنصوص عنها في هذا الدستور والمعترف بها دوليًا”، وفي الفقرة “ي”، التي تنصّ على أن “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”. 
الذين يدعون إلى الحوار ويؤيدّون إجراءه في كل الأوقات، وأيًّا تكن الظروف، لا يضعون حدودًا أو شروطًا لهذا الحوار، ولكنهم يحاذرون في الذهاب بعيدًا في مغالاتهم بالتفاؤل، وذلك إستنادًا إلى فشل طاولات الحوار في السابق، حتى قبل أن يدعو إليها الرئيس نبيه بري أولًا، ومن ثم الرئيس ميشال سليمان، ومن بعدهما الرئيس ميشال عون، حيث عقد أكثر من لقاء حواري بين الأطراف اللبنانيين بدعوة من الرئيس أمين الجميل في جنيف ولوزان تحت مسمى “أمراء الحرب”. 
فكل محاولات الحوار هذه لم تؤدِّ سوى إلى تعميق الشرخ، بإستثناء ما جرى في الطائف وفي الدوحة. المؤتمر الأول أوقف المدفع، وإدخل على النظام الذي كان معمولًا به تعديلات مهمّة وجذرية، منها ما طّبّق، ومنها ما لم يُطّبق. أمّا في المؤتمر الثاني فتمت تسوية سياسية قامت على تدوير الزوايا بعد أحداث 7 أيار، وأدّت إلى إنتخاب العماد ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية. 
أمّا في ما يتعلق بحوار المكّون المسيحي، وبالتحديد الماروني، خصوصًا عشية الإنتخابات الرئاسية، فإن بكركي الداعية دائمًا إلى تغليب لغة العقل وإعتماد الحوار أساسًا للتفاهم بين جميع مكونات النسيج اللبناني، لا ترى أوساط قريبة منها أن ثمة جدوى من أي حوار بين الأقطاب الموارنة، وهي تعرف ما لا يعرفه الآخرون، بإعتبارها “كرسي إعتراف”، أو بالأحرى “حائط مبكى”، يلجأ إليها الجميع لـ”يفضفضوا” وليقولوا ما لهم وما عليهم، وما للآخرين وما عليهم. 
فالبطريرك الراعي، وهو مستمع من الدرجة الأولى، يصغي للجميع. يتركهم يتكلمون على راحتهم، ولكنه في النهاية يقرّر ما هو مقتنع به، لأن لبكركي ثوابت راسخة في الضمائر والممارسة، وهي بالتالي على مسافة واحدة من جميع ابنائها. تقترب منهم بقدر ما يقترب هؤلاء من الثوابت التي تسيّر حركتها الوطنية والروحية. وتبتعد عنهم بقدر ما ترى أنهم يبتعدون عنها ويلجأون إلى خيارات لا تنسجم مع الخط الوطني الذي إنتهجه البطاركة الذين توالوا على الكرسي البطرسي منذ البطريرك الياس الحويك حتى اليوم. 
ولأن بكركي تعرف ما لا يعرفه الآخرون ترى أن أي حوار ماروني – ماروني في الظرف الراهن، وفي ظل الإصطفافات السياسية المعروفة لن يؤدّي إلاّ إلى تعميق الهوة بين “الأخوة – الأعداء”، خصوصًا أن التجارب السابقة أثبتت أن لا سبيل للجمع بين “التيار الوطني الحر” وبين “القوات اللبنانية”، وأن سقوط “إتفاق معراب” وإنهيار مصالحة “أوعى خيّك” لأكبر دليل على ما يباعد بينهما في نظرتهما إلى المستقبل وعلاقات لبنان بالجوار.