لا يختلف اثنان على أن لبنان أصبح خارج الخدمة على مستوى المؤسسات الدستورية وغير الدستورية والقطاعات كافة. كما لا يختلف اثنان على أن المسؤولين والوزراء هم أيضاً أصبحوا خارج الخدمة الفعلية بعدما فشلوا فشلاً ذريعاً في ادارة أسوأ أزمة تواجه البلد، وبدل أن يخجلوا، وينسحبوا بهدوء بعيداً عن الأضواء، يستخدمون اشاراتهم الخضراء والصفراء والحمراء في آن، ويخلطون الحابل بالنابل، و”يفركشون” الشعب معهم بكذبهم ونفاقهم وتناحرهم واختلافهم على الصلاحيات، ويضعونه في قمقم التعاسة لا بل الأكثر تعاسة بحسب التصنيفات الدولية.
كلما استبشر اللبنانيون خيراً بتقدم ولو طفيف على صعيد الاستحقاقات والملفات، عادت شياطين التفاصيل لتلعب دورها السلبي، وهذا ما ينطبق على التشكيل الحكومي، فبعد الأجواء الايجابية التي استجدت خلال الأيام القليلة الماضية، يبدو أن “حليمة عادت لعادتها القديمة” لناحية الكباش على الأسماء والوزارات.
ورفضت مصادر رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي التحدث في الشأن الحكومي حالياً لأنه لم يستجد أي أمر في اليومين الماضيين، بانتظار يوم الاثنين المقبل على أمل أن تتبلور الصورة أكثر، لكنها أكدت أن العودة الى رفع السقوف في الخطابات لا تصب في مصلحة التشكيل. على أي حال، نحن بانتظار ما سترسو عليه الأمور، وما هي التوجهات الجديدة، وبناء عليها تكون لنا مواقف واضحة. لا نريد بث أجواء لا ايجابية ولا سلبية، فلننتظر المعطيات الجديدة لتكون مواقفنا صادقة.
أما أوساط رئيس الجمهورية فأكدت أن الأجواء لا تزال ايجابية، وأن هناك جدية لدى الرئيسين في التأليف، ويمكن أن نشهد لقاء قريباً جداً بينهما. الأمور لا تزال في الاتجاه الصحيح والمشاورات مستمرة بين الفريقين المعنيين وصولاً الى حكومة في وقت قريب.
الصيغة هي صيغة الـ 24 وزيراً مع بعض التعديلات الطفيفة في الأسماء والحقائب، ورئيس الجمهورية لم يطرح حكومة من 30 وزيراً.
ورفضت الأوساط الدخول في التفاصيل لناحية الأسماء والحقائب، لكنها أكدت أن هناك اتفاقاً على تغيير بعض الأسماء والحقائب الا أن التعديل طفيف وليس جوهرياً.
واتفق الرئيسان على تشكيل حكومة قريباً، واذا استمرت الأجواء الايجابية على ما هي عليه، فإن امكان التشكيل الأسبوع المقبل وارد جداً. ومن مصلحة الجميع أن تكون هناك حكومة كاملة الصلاحيات خصوصاً أن بانتظارنا استحقاقات كبرى. والتشكيل ليس بديلاً عن الفراغ الرئاسي الذي يتوقعه البعض لأن كليهما استحقاقان دستوريان مهمان يجب اجراؤهما.
وفي السياق، اعتبر عدد من السياسيين أن التأليف الحكومي عاد الى المربع الأول، وبالمختصر المفيد الأجواء السائدة هي أن لا حكومة جديدة، والأجواء الايجابية تبددت لأن كل طرف عاد ليرمي المسؤولية على الطرف الآخر على الرغم من عدم ظهور ذلك في الاعلام.
وليس مستبعداً أن يكون هذا السيناريو رسمه “حزب الله” أي التسهيل ثم التعطيل لأن مصلحته تقتضي حكومة تصريف أعمال كونها تشكل نوعاً من ورقة ضغط في يده باتجاه فرض مرشحه للرئاسة حين نصبح أمام شلل في المؤسسات الدستورية أي لا حكومة ولا رئيس جمهورية ومجلس نيابي لا يشرّع.
الحزب يدعو الى تشكيل حكومة ليزيل المسؤولية عنه، وليقول للخارج والداخل انه مسهل وليس معطلاً، فهو يجيد المناورة التكتيكية، وليس كل ما يقوله في العلن يقصده.
من ناحية أخرى، يتخوف المراقبون من الاستفاقة المفاجئة للتأليف على الرغم من ضرورة تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، ويعتبرون أنه في حال تشكلت حكومة كاملة الصلاحيات أو لم تتشكل أي تعويم الحكومة الحالية وتوسيع صلاحياتها من خلال إصدار مراسيم جديدة يوقع عليها عون وميقاتي، يعني أن البلد متجه نحو فراغ رئاسي حكماً الا اذا استجد أي جديد يمكن أن يفرض رئيساً متفقاً عليه في الخارج.
وأوضح أحد الدستوريين أنه اما أن تكون هناك حكومة مؤلفة وتصدر مراسيم تشكيلها واما ألا تكون، وتبقى الحكومة الحالية حكومة تصريف أعمال لأنه لا يمكن مبدئياً تفعيل أي حكومة الا بثقة مجلس النواب.
أما أن يصار الى توقيع مرسوم بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة من أجل تفعيل حكومة من دون العودة الى مجلس النواب لأخذ الثقة منه، فهذا أمر لا يجوز في الدستور مع العلم أن حكومة تصريف الأعمال باستطاعتها أن تتسلم ويجب أن تتسلم مهام رئيس الجمهورية بعد انتهاء الولاية، ونص المادة 62 واضح. وطالما النص لم يحظر، أصبح يبيح، مما يفيد أن حكومة الرئيس ميقاتي بعد انتهاء ولاية الرئيس عون تناط بها صلاحيات الرئيس وكالة حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
لبنان على طريق الخلاص
على جبهة أخرى، يشعر اللبنانيون أن الدول الصديقة تخلت عن لبنان خصوصاً الأم الحنون فرنسا، والرسالة التى وجهها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى الرئيس عون خير دليل اذ اعتبرها كثيرون “جافة” ولم تخرج عن الاطار البروتوكولي العام، ولم تتضمن أي اشارة الى المساندة الفعلية، بحيث أكد ماكرون أنه يعلّق أهمية كبيرة على ما يجمع لبنان وفرنسا من علاقات، وأنه حريص على العمل دائماً من أجل تعزيزها وتطويرها في المجالات كافة.
وشكر رئيس الجمهورية على رسالة التهنئة التي وجهها اليه لمناسبة العيد الوطني الفرنسي، معرباً عن تأثره بمضمونها، ومعبّراً عن امتنانه العميق لمبادرته.
وأشار أحد السياسيين القريبين من الفرنسيين الى أن الرئيس الفرنسي لا يريد التعاطي مع السلطة ومع العهد الحالي بانفتاح وإيجابية خصوصاً أنه سئم من التعاطي مع الطغمة الحاكمة التي أفشلت مساعيه ومبادراته، ولكن هذا لا يعني أن فرنسا تخلت عن لبنان.
وبعد انتهاء الولاية الحالية، لا بد من أن نرى تعاطياً مختلفاً من فرنسا وغيرها.
وهنا لا بد من التأكيد أن أحداً لم ينفض يده من لبنان لا فرنسا ولا الفاتيكان ولا الاتحاد الأوروبي ولا الولايات المتحدة ولا الدول العربية والخليجية، لكن الوضع أصبح الى حد كبير مخزياً وكأنه يدعو الى اليأس.
لبنان لم يلتزم بأي وعد من الوعود التي قطعها على نفسه وعلى العالم. وبالتالي، نحن في مرحلة تتميز بالضبابية المطلقة.
وبعد أن عزينا أنفسنا بأن الانتخابات النيابية ستؤدي الى قلب الموازين في مجلس النواب، اذا بالنواب الجدد أو التغييريين يفشلون في توحيد جهودهم فلم يتفقوا لا على أجندة ولا على خطة طريق ولا على تصور حول السيادة الوطنية ولا على امكان السعي الى تغيير ملامح الجمهورية اللبنانية من خلال الاتفاق على رئيس تجديدي وتغييري وسيادي.
لذلك، تبقى الأكثرية النيابية متأرجحة من دون أن ننسى أن العمل التشريعي الى حد كبير متوقف ولا يتقدم ولا يؤذن بتمكن لبنان من تنفيذ المطالب التي طلبت منه.
وما يزيد الأمر سوءاً أن الاتفاقات الدولية لاسيما توقيع الاتفاق الايراني – الأميركي يمكن أن يعطي فرصاً جديدة لنفوذ ايران في لبنان.
هذا ما يخشاه البعض، لكن الخبرة في الحياة والتاريخ تقول ان الاستحقاق الرئاسي سيثمر والرئيس سيتبدل قبل 31 تشرين الأول وأن هناك شخصية تجديدية تتمتع بصفات اصلاحية واقتصادية ستصل الى سدة الرئاسة.
نحن اليوم في مرحلة تأرجح يصح فيها الاسوأ، لكنها مرحلة وستعبر لأن هناك مؤشرات توحي بأن لبنان على طريق الخلاص.