العونيون يغرّدون على وسائل التواصل الاجتماعي وسلاحهم: توقيع صاحب الفخامة. من جهته يبتسم الرئيس نجيب ميقاتي ويكاد أن يضحك من فرط الأسلوب الهاوي الذي يمارسه المستشارون في دوائر قصر بعبدا وأركان “التيار الوطني الحر”، انها معركة صامتة تدار بوجوه مبتسمة فيما الليث في كلا الجانبين يتوثب للانقضاض، لكن كل من زاوية مختلفة. أما الرئيس ميشال عون فيريد التسليم الآمن لصهره المطوق بألف عدو وعقاب وحصار، فيما الرئيس ميقاتي يسعى الى الخروج من جهنم كي لا تحرق اللبنانيين مرتين في عهدين متتاليين ولسان حاله: اللهم إني حاولت، خصوصاً اذا تخاذل الشركاء عن مناصرته كحركة “أمل” و”الاشتراكي” و”القوات”، ولن ننسى منذ أشهر قليلة معركة الأسلحة الثقيلة التي أطلقتها “ميرنا الشالوحي” بقذائفها بعدما قررت “البلاتينيوم” القتال مباشرة باللحم الحي، فالرئيس ميقاتي صاحب الباع الطويل حريف في تدوير الزوايا وسبق أن إكتشف أنه وقع في فخ لاأخلاقي عندما عمد أحد المستشارين الاعلاميين الذين زرعهم جبران باسيل على مقربة من عمه الرئيس إلى تسريب اللائحة بالأسماء المقترحة التي قدمت للرئيس، لكن يبدو أن الأخير لأسباب عمرية حوّل الشؤون الرئاسية إلى المكتب الظل الذي يدير شؤون العباد والبلاد في خدمة تجديد الولاية بأشكال لم تشهد لها مثيلاً الحياة السياسية، فالتذاكي بلغ حدوده القصوى لدى المستشارين عندما أرادوا إحراج ميقاتي لاخراجه عبر اقتراح خبيث: التخلي عن الطاقة مقابل الحصول على الداخلية… آملين ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول إضعاف الرئيس المكلف أمام طائفته التي أصيبت بالحرمان في عهد عون ليسدد باسيل اليها الضربة القاضية. والهدف الثاني هو في الهيمنة على الضابطة العدلية حيث يحلو للتيار ملاحقة وسجن من يرغب ويريد وفق رغبات القضاة المتفلتين الحزبيين، وبالتالي ضرب أبرز المسؤولين السنة في الإدارة لأن المس بغيرهم حرام أو رعب لا يتحمله باسيل أو لا يجرؤ…
أما “البلاتينيوم” فلها رأي آخر، التوقيع الذي بقي عالقاً في القصر الجمهوري لن يبقى في حوزتهم مهما اشتد ساعدهم، فالرئيس المكلف سيبقى يدير البلاد بالوكالة طالما العونيون صعدوا إلى الشجرة، وبانتظار أن ينزلوا وتبرد الرؤوس حينها هلموا جميعاً الى انتخاب رئيس للجمهورية كي يتسلم الأصيل الوكالة الني احتفظ بها الرئيس المكلف سالمة ومصانة. “نرجو الهدوء” عبارة يقولها المقربون من السراي الحكومي والكلام الكبير الذي يطلقه التيار: لو العالم كله أتى لن يأخذوا توقيعي (مقولة حربية في حروب تدميرية) سحبوها اليوم للاستعمال لزوم شد العصب، لكن هذا الكلام لم يصمد أمام آموس هوكشتاين الذي أخذ التوقيع ومعه حبة مسك قدمها له الأركان بقيادة باسيل العالق في قبضة ماغينسكي.
عبارة أخرى يطلقها الشعب هذه الأيام “الرجاء لا تبيعونا المياه في حارة السقايين”، فالرئيس ميقاتي حافظ على الجمهورية في زمن جهنم، فلا تشعلوا النيران أكثر لأنها عمل من أعمال الشيطان .
الناس ضاقت ذرعاً بالإنكار الدائم عن حقيقة من يحكم في قصر بعبدا وبأية عضلات، فالنتائج الانتخابية “شارقة” ومكاتب الاحصائيات “قاشعة” كيف تمت عمليات وهب الأعضاء لصالح التكتل القوي من الشوف وعاليه إلى البقاعين الغربي والشرقي وصولاً إلى عكار (مفاجأة خطوط التهريب)…
أما السلطان باسيل فلن يهدأ ولن يرتاح قبل أن يطمئن الى غده، فإنتهاء العهد وغياب العم الداعم يصيبانه بالقلق من المستقبل الغامض. هو مدرك أن من يزرع الريح ومن لم يترك له صاحباً له سوف يحصد العاصفة التي ستضيق عليه من رغد في العيش السياسي والتفشيخ كما كان يحلو له، وفي مقره الشالوحي ينتظر ضحاياه لتصفية الحسابات معه، هذا المصير راسخ في عقل الوزير الذي لا ينام، لذلك اقتحم القصر علانية وأمام مرأى من عمه ليبدأ عملية تطهير واسعة، شاملة… بدأت برئيس الحرس الجمهوري ولم تنته بكف يد الوزير المستشار سليم جريصاتي، فالبقاء الآن للأوفياء. وفي العرف الباسيلي الوقت يضيق ولم تبقَ من الولاية سوى عشرات الأيام وبكاء الدم وعويل سليم عون لن يوقفا الزمن الغامض اللي جاي، لذا فلا مكان لأصحاب الولاء المهزوز بل المطلوب طاعة عمياء للرجل الذي أحرق مراكبه مع الجميع ولم يترك سوى الغضب يلاحقه أينما رحل. ففي الساحة المسيحية جمع المتخاصمين من اهدن إلى معراب وصولاً إلى الصيفي، يا لندامته اتحدوا جميعاً في مواجهة من نصّب نفسه بطريركاً عليهم وعلى سائر المسيحيين، اما زيارته إلى الجبل فلم تترك سوى الأثر السيء في طائفة الموحدين، وفي الشارع السني لا يزال قصف عمه العشوائي أثناء حرب التحرير عالقاً في أذهان الأهالي، وضحايا القصف المدمر الذي أودى بحياة العشرات في أحد الافران ينتظرون اعتذاراً من العم الرئيس، فإذا بالصهر الوريث يوقظ فيهم الشعور المذهبي عبر الاستهداف المنظم منه للطائفة السنية. نهاية العهد أكيدة لكن الدموع التي ستنهمر هي دموع الفرح بانتهاء عهد بائع الاوهام…