من حيث لا يدريان توافق كل من رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع والأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله على أمر واحد. الأول قلّل من أهمية تأثير الخارج على الإستحقاق الرئاسي، وتساءل: بماذا يمكن للخارج أن يؤثّر، وقال: “لا أحد في الخارج يبالي أساًسا إن حصلت إنتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان أو لم تحصل.
أمّا الثاني فلم يرَ أي علاقة للملف النووي ومحادثات فيينا بترسيم الحدود، وقال: “إن موضوع الحدود البحرية وكاريش والنفط والغاز لا علاقة له بالاتفاق النووي لا من قريب ولا مِن بعيد، سواء وقِّع أم لم يوقَّع”.
ونسأل مع السائلين: لماذ يصرّ كل من الدكتور جعجع والسيد نصرالله على تحييد الخارج عمّا يحصل في لبنان، أو بالأحرى عمّا لا يحصل. فلو سأل السائلون أنفسهم إبن عشر سنوات في لبنان: لماذا كل هذه “الخربطة” في لبنان، فسيكون جوابه الطبيعي والبديهي: لأن إيران وأميركا غير متفقتين على أمور كثيرة، ولأن لإيران في لبنان ناسها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأميركيين.
هذا الكلام ليس من “عنديات” إبن العشر سنوات، بل هذا تأثير ما يسمعه كل يوم تقريبًا من فم الدكتور جعجع والسيد حسن. الأول يتهمّ “حزب الله” بأنه ينفذّ سياسة إيران في لبنان، والثاني يتهمّ “القوات اللبنانية” بأنها تتلقى تعليماتها من سفارة عوكر.
فإذا كان الحال في لبنان على هذه الصورة، أي أن لكل من الولايات المتحدة الأميركية وإيران نفوذًا معّينًا من خلال تحالفاتهما الداخلية، فإن كل كلام عن عدم إهتمام الخارج بالإنتخابات الرئاسية، وعن عدم إرتباط ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بالملف النووي والمحادثات الجارية بين واشنطن وطهران، هو كلام غير واقعي.
فالخارج، وإن لم يكن الوضع في لبنان من ضمن أولويات إهتماماته، يتعاطى في الشأن اللبناني الداخلي بكل تفاصيله، سواء من خلال السفارات أو من خلال البعثات والوفود التي تزوره في إستمرار.
فإذا لم تكن الولايات المتحدة الأميركية تتدّخل في الشؤون اللبنانية عبر سفيرتها دوروتي شيا فلماذا تُّشنّ كل تلك الحملات ضدّها، ولماذا تكاد لا تخلو خطابات السيد نصرالله من تحميل “امريكا” مسؤولية كل المآسي التي أصابت وتصيب لبنان؟
وإذا لم تكن إيران تتدّخل في الشأن اللبناني عبر “حزب الله” فلماذا كل هذه التصريحات التي يدلي بها القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي، وآخر هذه التصريحات ما قاله عن “حزب الله” الذي “حصل على تجارب هامّة خلال الحرب السورية”، مشيراً إلى أنه بإمكان الحزب قيادة حرب بريّة وتحقيق الانتصار فيها خصوصاً بعد تحقيقه انتصارات على المجموعات الإرهابية.
وفي حديثٍ خاص للموقع الاعلامي لمكتب آية الله الإمام السيد على الخامنئي، قال سلامي إن “صواريخ “حزب الله” والمقاومة الفلسطينية هي من أجل الردع وادارة الحروب الساكنة لكنها لا تحرر الارض بل القوات البرية هي التي تسير على الارض وتحررها”، وأضاف: “حينما تحصل مثل هذه المعركة وينطلق المقاومون الشجعان والمتمرسون من الفلسطينيين و”حزب الله” فحينئذ تحسم المعركة ويختل توازن منظومة القيادة وادارة الحروب لدى الصهاينة الذين جاؤوا الى فلسطين من اجل الرفاهية”.
إذا أراد كل من الدكتور جعجع والسيد نصرالله المزيد من الأمثلة الحيّة على مدى تأثير الخارج على الإنتخابات الرئاسية في لبنان وعلى إرتباط ترسيم الحدود بما يمكن أن يتحقّق أو لا يتحقّق بالنسبة إلى الملف النووي، فإننا على إستعداد لسرد الآف الأمثلة، ولكن نكتفي بالمطالبة بعدم الإستخفاف بعقول اللبنانيين والتقليل من أهمية ذكائهم، وبالتالي إحترام ما تبقّى لهم من عقول.