“حقائق حربيّة” لافتة.. ما الذي ستشهده إسرائيل عند أي حرب مع لبنان؟

25 أغسطس 2022
“حقائق حربيّة” لافتة.. ما الذي ستشهده إسرائيل عند أي حرب مع لبنان؟


من يُراقِب المنحى الذي تتخذهُ وسائل الإعلام الإسرائيليّة في مقاربتِها لملف ترسيم الحدود البحريّة مع لبنان، إنّما سيستنتجُ أموراً ثابتة لا لُبس فيها: تشكيك، مخاوف، عدم وضوح وترقّب لمعركةٍ قد تشهدُ معاركة عسكرية غير محسوبة. 
 
من دون أي مُنازع، ما يكشفهُ مضمون تقارير تلكَ المنافذ الإعلامية إنّما يشيرُ إلى تخبّط كبير، وسببهُ “صمت القيادة العسكرية والسياسية” في تل أبيب عن أيّ جديد يتعلق بملف الترسيم. أمّا الصمت الأكبر فيمتدّ بشكل كبيرٍ إلى القرار المُرتبط بالحرب: هل سيُتخذ؟ هل ستكون المواجهة مفتوحة أم محدودة؟ إلى أي مدى سيتوسّع الصراعُ مع “حزب الله” في حال حصوله؟ ما هي عناصر الحماية ومن سينجو؟
 
الأسئلة هذه طُرحت بمجملها عبر منشورات عديدة في الداخل الإسرائيلي خلال الفترة الماضية، وما يظهرُ بشكلٍ جليّ هو أنّ الجبهة الداخلية غيرُ مستعدّة لأي صراع آتٍ، وهنا بيت القصيد، وعند هذا الأساس تتحدّد المُقاربة.
 
صحيحٌ تماماً القول إنّ “حزب الله” يواجهُ انتقادات في الداخل اللبناني، وصحيح أيضاً أنّ هناك رفضاً لسلاحهِ بالنسبة لفئةٍ واسعةٍ من الشعب اللبناني. حُكماً، الأمرُ هذا واقعي ولا يُمكن إستثناؤه من المعادلة القائمة اليوم، لكن في المقابل هناك حاضنة شعبية كبيرة للحزب، وباستطاعتها استيعاب أيّ خطوةٍ يقوم بها. أما الأهم، فهو أنّ تلك البيئة الشعبية ستُؤسس لاحتضانٍ عسكري أيضاً، وكل ذلك ينبعُ من عامل الثقة بين تلك البيئة والحزب الذي يُمثلها. 
 
وإنطلاقاً من كل ذلك، فإنّ موازين القوى لا تنحصرُ فقط في إطار عسكريّ فحسب، بل تنسحبُ أيضاً باتجاهات عديدة أبرزها الصمود الشعبي، الالتحام بين المقاتلين والمدنيين في الجبهة الداخلية، تكريس الدعم لمن هم في ساحة المعركة، واستيعاب أي عملٍ عسكري قد يطالُ أيّ منطقة. وعملياً، فإن كل هذه الأمورُ متوافرة بالنسبة لـ”حزب الله”، فهي عوامل مُساعدة له في أي حربٍ قد يخوضها ضدّ إسرائيل، وبالتالي ستنعكسُ المعطيات الميدانية الكثيرة لصالحِه في لحظة الصفر الخاصة بأي نزاعٍ مُسلّح.
 
ماذا عن إسرائيل؟
على صعيد الداخل الإسرائيلي، ما يمكن تبيانه تماماً هو أنّ شعور انعدام الأمن والأمان قائمٌ بنسبة كبيرة لدى سُكان المُستوطنات الشمالية. في الواقع، فإن هذا الأمر توثقهُ التقارير الإسرائيلية بالدرجة الأولى، إذ تكشف عن واقعٍ خطير يُمكن أن يهدّد تماسك الجبهة الدّاخلية في العُمق الإسرائيلي، وهنا الانعطافة الكبرى على صعيد أي معركة. 
 
مؤخراً، كشف محللون إسرائيليون في تقارير عدة عن نقطةٍ أساسية وبارزة تتعلّق بالمستوطنات الإسرائيلية القريبة من لبنان، إذ تبيّن أن هناك تصاعداً في حركة الهجرة السلبية منها. فالناس هناك يتركون منازلهم ويغادرونها نهائياً خوفاً من أي تصعيد عسكري مُحتمل. وإزاء ذلك، تخوف المحللون من وضعٍ ديموغرافي غير سليم في المنطقة الشمالية عند الحدود مع لبنان، معتبرين أن هذا الأمر يخلق أزمات لاحقة ويطرح تهديدات كثيرة تُخيف إسرائيل. 
 
وبكل بساطة، فإنّ تلك المعطيات هي مؤشّر سلبيّ جداً بشأنِ متانة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وهو أمرٌ يطرح تساؤلات أساسية أبرزها: هل الجمهور الإسرائيلي يتوق إلى حربٍ مع “حزب الله”؟ هل باستطاعته ذلك؟ هل بإمكانه احتضان الجيش الإسرائيلي عندما يشنّ حرباً غير معروفة التوجّهات؟
 
بالنسبة للبنان، فإنّ الأمور تختلفُ تماماً، فالمناطق الجنوبية ما زالت تحتضنُ أهلها، فلا هجرة ولا نزوح بعكس ما يحصلُ في الداخل الإسرائيلي. أما على صعيد المقاتلين، فقد تبين أن هناك حشوداً عديدة من الشبان اليافعين انخرطوا في تدريبات عسكريّة أجراها “حزب الله” مؤخراً عند الحدود الجنوبيّة، وكان “لبنان24” كشف عنها مؤخراً في تقرير سابق له.  (رابط التقرير: https://www.lebanon24.com/news/983361/lebanon24-article).
 
إسرائيلياً، قد لا يتحقق الدعمُ الداخلي لأيّ معركة عسكرية قادمة، فالمخاوف كبيرة من عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على تأمين الحماية الكاملة للمستوطنات في ظلّ تطوّر الصواريخ التي يمتلكها “حزب الله”. كذلك، فإنّ الخشية كبيرة في أوساطِ العسكريين الإسرائيليين، وهو أمرٌ فسرته تقارير إضافية نُشرت مؤخراً، تحدثت عن إصابة بعض الجنود بأمراضٍ إثر حرب تموز 2006. 
 
وفقاً لموقع “psakdin” الإسرائيلي، فإنّ ضابطاً سابقاً في جهاز المُخابرات يُعاني من مرض “الصدفية”، وقد رُبطت إصابته بالضغط النفسي الحقيقي الذي عاشه خلال خدمته في الجيش، وخصوصاً إبّان حرب 2006.
 
وبحسب التقرير، فإنّ ذاك الضابط واجه ظروفاً صعبة خلال الحرب، إذ كان يتواجد في مكانٍ غير مُحصّن بشكل جيّد وسط صواريخ الكاتيوشا التي كان يطلقها “حزب الله” باتجاه الداخل الإسرائيلي. 
 
وفعلياً، فإن كل تلك الأمور شكّلت ضغطاً كبيراً على ذاك الضابط الذي لم يُكشف عن اسمهِ، إلا أنّ قضيتهُ يمكن أن تنسحبَ على جنودٍ آخرين ما زالوا يعيشون الصدمة إزاء حرب تموز قبل 16 عاماً، وهو أمرٌ لا يُمكن أبداً نفيَ حصوله لدى جنودٍ حاليين يتواجدون عند الحدود الشمالية مع لبنان.
 
كذلك، هناك ضابطٌ إسرائيلي آخر يُدعى إيف ديفرين سردَ معاناتهُ الكبيرة بسبب حرب لبنان عام 2006. فيوم 12 آب يعتبرُ غير عاديّ لديفرين، إذ يُذكره بلحظات صعبة عاشها في الأيام الأخيرة من الحرب. 
 
بحسب صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، فإنّ ديفرين رأى الموت في اليوم المذكور، أثناء تأديته مهمّة عسكرية في وادي الحُجير – جنوب لبنان. حينها، تعرّض موكب ديفرين العسكري لكمينٍ صاروخي من قبل “حزب الله”، الأمر الذي أدى إلى إصابته بجروحٍ خطيرة، وجرى نقله من مكان المعركة وهو تحت التخدير والتنفس الإصطناعي. في البداية، تمّ الإعلان عن أن حالته حرجة جداً لدرجة أنّ حياة ديفرين كادت ستنتهي في أي لحظة بسبب ما شهده في لبنان. إلا أنه بعد فترة، تماثل للشفاء، وبقيَت اللحظات التي عاشها في وادي الحُجير مزروعة في بالِه حتى اليوم. 
 
في المُحصلة، ما يمكن قولهُ تماماً هو أنّ أي معركة مع لبنان لن تكون سهلة، وهذا الكلامُ لا يرتبطُ فقط بالناحية العسكرية والتقنية، بل أيضاً بقوّة الجبهة الداخليّة التي تشكل أساساً لكل معركة ميدانية. وعليه، فإن مختلف الوقائع تشيرُ إلى أنّ إسرائيل قد تدخل مستنقعاً صعباً في حال “غامرت” بحربٍ ضدّ لبنان، لأن التكلفة العسكرية والشعبية ستكون كبيرة ووخيمة عليها.