على كلّ الجبهات، ينشط “التيار الوطني الحر” دفعة واحدة، في ظلّ “الخلافات” التي راكمها رئيسه الوزير السابق جبران باسيل مع مختلف القوى والأطراف، فتارةً يشنّ “حملة” على رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، وقد أنهاها الأخير بدعوته أخيرًا إلى أن “يساجل نفسه في المرآة”، وطورًا يطلق سهامه باتجاه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، خصوصًا بعدما رفض الأخير “التلاقي” معه على المستوى الرئاسي.
وبين هذه “الحملة” وتلك، يرصد المتابعون “هجمات عونية متنقلة”، يبقى بعضها مضبوطًا فيما يخرج بعضها الآخر عن السيطرة، تطال من جملة من تطالهم كلاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، من دون أن ننسى قوى المعارضة بتنوّع واختلاف مشاربها، بين “الكتائب” والمستقلين، وصولاً إلى نواب “التغيير” أو “17 تشرين” الذين ينالون “نصيبهم”.
بيد أنّ اللافت في الآونة الأخيرة أنّه، وعلى الرغم من كثرة “الحملات” وكثافتها، فإنّ الوجوه نفسها تقريبًا هي التي تتصدّى لها، وهي بمجملها محسوبة على الدائرة “اللصيقة” بالوزير باسيل، في مقابل “غياب” لافت، أو ربما “تغييب” لوجوه أخرى لطالما كانت في مقدّمة الصورة، وبين هؤلاء من لا يزال نائبًا في تكتل “لبنان القوي”، فما خلفيات هذه الظاهرة؟ وهل من “صراع أجنحة” داخل “التيار” بدأ يظهر في العلن وعلى الملأ؟
“جناح باسيل”
بمُعزَل عن صحّة الحديث عن “صراع أجنحة”، يتحدّث العارفون عن “جناح” واضح في “التيار”، لم يعد يخفى على أحد، هو “جناح باسيل”، قوامه شخصيات محسوبة بشكل مباشر على رئيس “التيار”، هم من المقرّبين منه، والحاصلين على “ثقته” كما يُقال، وهم تحديدًا من يخوضون “معاركه”، ويذهبون لحدّ “المزايدة” ليس فقط على بعضهم البعض، بل حتى عليه، في بعض المواقف، ربما في سبيل رفع “أسهمهم” في المرحلة المقبلة.
يقول العارفون إنّ هذا “الجناح” أعلن عن نفسه بوضوح في العديد من المحطّات الأخيرة، خصوصًا في “الحملة” الشهيرة على رئيس الحكومة المكلف، وقبلها وبعدها في الهجوم على رئيس حزب “القوات”، حيث خرج نواب وقياديون ليغدقوا عليه نعوت “الخيانة” وكلّ ما يمتّ إليها بصلة، وقد كثّفوا إطلالاتهم الإعلامية في المرحلة الأخيرة في سبيل “الدفاع” عن خيارات رئيس “التيار”، والتأكيد على أنه “المرشح الطبيعي” للرئاسية.
وإذا كان هذا الجناح مُعلَنًا بهذا الوضوح، فإنّ ثمّة من يتحدّث عن “جناح” آخر في “التيار”، وإن بقي غير مُعلَن، ربما لحسابات واعتبارات المنتمين إليه، ممّن يرفضون أنّ يتحوّلوا إلى “أداة” في حملات باسيل الشخصيّة كما يرونها، ولذلك فقد اختاروا “الاعتكاف الضمني”، حتى لا يضطروا إلى الانسياق خلف مواقف هم لا يقتنعون بها، ولا يريدون في الوقت نفسه أن “يتمرّدوا”، فيخرجوا من التيّار الذي يعتبرون أنفسهم من “مؤسسيه”.
إلى ما بعد الرئاسة
صحيح أنّ المحسوبين على باسيل ينفون مثل هذا الفصل أساسًا بين الجانبين، ويقولون إنّ “لا جوقة ولا من يحزنون” داخل “التيار” كما يحاول خصومه الإيحاء، مشدّدين على أنّ من يتحدّث من النواب ويطلق المواقف في هذا الملف أو ذاك، فهو يفعل ذلك بـ”مبادرته الذاتية”، ومن دون أي “توجيه” من أحد، بدليل أن هناك من لا يفعل ذلك، وهو عضو “أصيل” في “التيار”، وجزءًا لا يتجزأ من تكتل “لبنان القوي”.
لكن، في المقابل، ثمّة من يعتبر في هذه المقاربة “تسطيحًا” لواقع بات “شبه مكشوف” رغم كلّ محاولات “التجميل”، حيث يرى أصحاب وجهة النظر هذه بأنّ “الأجنحة” داخل “التيار” باتت أمرًا واقعًا، ولو أنّ المقارنة بين “الغائبين عن الصورة” اليوم، وأولئك الذين استقالوا في وقت سابق، لا تستقيم، فيما يهمس البعض بأنّ ثمّة حسابات “رئاسية” لبعض النواب الصامتين، والذين قد يكونون “طامحين” لدور أكبر.
في كلّ الأحوال، يقول العارفون إنّ هذا الوضع “باقٍ على حاله” في الفترة المقبلة، وحتى انتهاء الانتخابات الرئاسية بالحدّ الأدنى، على أن “يتصدّى” الرئيس ميشال عون للأمر بنفسه بعد ذلك، تمامًا كما فعل عندما أقنع الوجوه نفسها تقريبًا بالقبول بـ”تسوية” انتخاب باسيل رئيسًا، يوم انسحب آلان عون من المعركة في وجه باسيل “كرمى لعيون الجنرال”، علمًا أنّ هناك من يرجّح “سيناريو” مماثلاً قد يحصل اليوم.
سواء كان الحديث عن “صراع الأجنحة” في مكانه أم لا، فإنّ المحسوبين على “التيار الوطني الحر” كما خصومه، يتّفقون على أنّ الأخير ليس في أفضل أحواله، وأنّ ما قبل استلام باسيل رئاسته ليس كما بعدها، بل إن هناك من يتخوّف من “موجة استقالات” جديدة قد تلحق به، إذا ما استمرّت “القيادة” على نهجها، خصوصًا أنّ الكثيرين يقولون إنّه ما عاد يجمعهم، سوى “الجنرال”، بما له من “رمزية” في نفوسهم!