كيف يعيش اللبنانيون اليوم؟

30 أغسطس 2022
كيف يعيش اللبنانيون اليوم؟


ليس تنظيراً ولا أرقاماً علمية مضخّمة وليس نقّاً أو مبالغة في الشكوى، بل أبعد من هذا كله، هو الواقع بتفاصيله الصغيرة الموجعة يعيشه اللبنانيون كلّ لحظة ويحفر في أعصابهم وصبرهم وقدرتهم على التحمّل. في الفرن، عند اللحام والخضرجي، على صندوق السوبرماركت، أمام محطة البنزين، في السرفيس وفي وفي وفي… يعيشون «أجحم» يومية وهي جمع لكلمة جحيم أشد حراً وعذاباً من الجحيم نفسه. صور لا تزال خفية على المسؤولين وعلى لبنانيين آخرين يروي لنا قتامة ألوانها من يتعاملون مع تفاصيلها اليومية.

روايات مؤلمة ونماذج لمواطنين لبنانيين منّا وحولنا، تبدّلت أحوالهم وما عاد ينفع معها سؤال «وينية الدولة» ولا تحذيرات بالوصول إلى «الجحيم والهاوية». هم في عمق الهاوية يتخبطون في كل تفاصيل حياتهم اليومية وليس من يشهد عذابهم بالعين المجرّدة. يسمعون عنهم لكنهم لا يرونهم، وربما يعدون لهم العصي لكنهم لا يأكلونها بدلاً منهم. وحدهم يعيشون مآسيهم اليومية وشهودهم عليها من يتعاملون معهم في تفاصيلها.

جمال سيدة تعمل على الصندوق في أحد الأفران الكبرى وتتعامل كل يوم مع عشرات الزبائن بعضهم عابرون وبعضهم زبائن دائمون تعرف عاداتهم ومشترياتهم ومشاكلهم الصحية. تقول «تريز لم تكن تشتري إلا ربطة الخبز الأسمر، مصابة بالسكري ونسيت على مرّ السنوات طعم الخبز الأبيض. حين رفع الدعم عن أصناف الخبز لم تعد تطلب الخبز الأسمر الذي بلغ سعر ربطته 27000 ليرة وعادت تشتري ربطة الخبز الأبيض الكبيرة المدعومة. «ما بقى من العمر أكثر مما مضى، نموت من السكري أحسن ما نموت من الجرصة والفقر».ويروي لنا خضر وهو صاحب أحد الأفران في منطقة البحصاص الطرابلسية ويقسم بأولاده أن زبوناً ربّ عائلة سأله عن الخبز البائت، اليابس، عن الأرغفة المحروقة التي لا تصلح للبيع، الأرغفة القذرة التي تظهر فيها حشرات وأرجل صراصير، «عند الولاد كلو بيمشي، ما فيني اشتري ربطتين باليوم…» صارت الحشرات أرحم بالناس من المسؤولين الذين قطعوا عنهم الرزق والخبز…

سلام صاحبة فرن للمناقيش «زبوناتها على قدها» كما تقول، كثر منهم لم تعد ترى وجوههم منذ ارتفع سعر المنقوشة رغم أنهم جيرانها في الحي تعرفهم ويعرفونها. «الناس أوقفوا تناول المناقيش بعد أن كانت أكلة الجميع، وناس ما عادوا يأتون إلى الفرن مطلقاً. اليوم الكل يسأل عن السعر قبل أن يشتري، يسألون عن الزعتر والجبنة واللحمة ويشترون الأقل سعراً. عند نبريش المحطة يرى عبدالرحمن العجائب.هو العامل البنغلادشي الذي أمضى في لبنان أكثر من خمسة عشر عاماً متنقلاً بين محطات البنزين في مناطق مختلفة لا يصدق ما تراه عيناه. بلغة عربية شبه سليمة يتأسف «حرام لبنان، بنغلادش أحسن هلأ، ناس معتّر مسكين هون، ما في مصاري للبنزين» نستدرجه بأسئلتنا عن الزبائن وكيف يدفعون؟ «نسوان بفتشوا بالجزدان ساعة بعدين بيعطوني 200 أو 300 ألف فراطة وبدن بنزين. هادي الذي يعمل على الصندوق في سوبرماركت معروف بأسعاره التوفيرية لم يعد يتفاجأ بما يراه رغم أن المشاهد لا تزال تؤثر به وتتركه محبطاً تعيساً. «أكثر من أن تحصى أعداد المرات التي يقوم فيها الزبائن بإخراج الأغراض من الأكياس وردّها بعد أن تطلع الفاتورة.وتكثر القصص أليمة محزنة. عند أحد محلات بيع الدجاج المعروفة زبائن يطلبون الرقاب والأرجل و»القوانص» وهي مقتطعات كانت تخصص سابقاً لإطعام الكلاب والقطط، يطهوها أصحابها ويقدمونها لحيواناتهم الأليفة اليوم صاروا يقدمونها لعائلاتهم. صورة قاسية جارحة لكنها حقيقة يرويها غسان لنا من موقعه خلف البراد.