رغم إنشغال الدول الغربيّة، وفي مقدّمها فرنسا والولايات المتّحدة الأميركيّة بالحرب الأوكرانيّة، وتداعياتها الإقتصاديّة على أسواق النفط والغاز، بالإضافة إلى محادثات “النوويّ الإيرانيّ”، تراجع بعض الشيء الملف اللبنانيّ عن طاولة البحث في عواصم القرار المهمّة، رغم أنّ أبرز المطالب التي تجدّدت بعد إجراء الإنتخابات النيابيّة هي تشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن، والبدء بتطبيق الإصلاحات، والإتّفاق مع صندوق النقد الدولي، وانتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهوريّة، وعدم الدخول بأيّ فراغ دستوريّ، قد يُؤدّي إلى تدهور الأوضاع المعيشيّة، وحتّى الأمنيّة.
وفي وقت لم تُبدِ واشنطن رسميّاً بعد رأيّها بالإستحقاق الرئاسيّ، وخصوصاً حول مواصفات الرئيس المقبل، إلّا أنّه لا يُخفى على أحد أنّها تُفضّل شخصيّة “سياديّة”، قادرة على الحدّ من نشاطات “حزب الله” عسكريّاً، في الداخل والخارج، وبشكل خاصّ، عبر منعه من التأثير على ملف المفاوضات البحريّة، وعدم جرّ المنطقة لصراعٍ جديدٍ، في حوض المتوسّط، قد ينعكس سلبيّاً على الدول الغربيّة، التي تبحث عن موردٍ حديثٍ للنفط والغاز، بعد الحرب الأوكرانيّة.
من هنا، فإنّ أميركا تُعارض بطبيعة الحال تكرار تجربة الرئيس ميشال عون، الذي تعتبر أنّه وفريقه السياسيّ، هم الحليف المسيحيّ الأساسيّ، الذي يُؤمّن الغطاء لسلاح “حزب الله”، ولمشروعه في المنطقة. ويقول مراقبون إنّه من هذا المنّطلق، فإنّ أسماء المرشّحين من “قوى الثامن من آذار” لا تُحبّذ واشنطن وصولها أبداً إلى بعبدا، وأوّلها رئيس “التيّار الوطنيّ الحرّ” النائب جبران باسيل، الذي فرضت وزارة الخزانة الأميركيّة عقوبات عليه. ويُضيف المراقبون أنّ وصوله إلى سدّة الرئاسة، يعني حكماً عزله أميركيّاً، وذلك على إثر العقوبات، ومطالبته أخيراً باستقدام الفيول من إيران لحلّ مشكلة الكهرباء بعض الشيء، الأمر الذي يُزعج الإدارة الأميركيّة، التي تعمل على تسهيل إستجرار الغاز من الأردن ومصر، رغم ربط هذا الملف بموضوع المفاوضات البحريّة غير المباشرة مع إسرائيل.
أمّا في ما يخصّ رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجيّة، فالجميع في الداخل والخارج، يُدرك قربه من الرئيس السوري بشّار الأسد، وفي الوقت عينه من “حزب الله”، ما يعني أنّ على إسمه “فيتو” أميركيّ أيضاً. ويُشير مراقبون إلى أنّه لهذا السبب، فرضت أميركا عقوبات على وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس، المقرّب جدّاً من فرنجيّة. ويُتابعون أنّ العقوبات حاسمة لجهّة قول واشنطن إنّ أيّ شخصيّة مُقرّبة من “محور الممانعة” غير مُرحّب بها لتكون على رأس هرم السياسة اللبنانيّة. ويرون أنّه إذا استُؤنفت المحادثات بين “حزب الله” ورئيس الحزب “التقدميّ الإشتراكيّ” وليد جنبلاط، وتوصّلا إلى مرشّحٍ وسطيّ توافقيٍّ، فإنّ أميركا التي لديها قنوات إتّصال مباشرة مع المختارة، قد تدخل على الخطّ، للتأثير على خيارات جنبلاط الجديدة، والطلب منه العودة إلى صفوف “المعارضة” ودعم مرشّحها.
ويقول مراقبون إنّ هناك أسماءً كثيرة تُطرح في الكواليس، وخصوصاً من ناحيّة “المعارضة”، ولعلّ أبرزها النائب ميشال معوّض، وقائد الجيش العماد جوزاف عون، وكذلك إعلان ترايسي شمعون عن ترشّحها رسميّاً لرئاسة الجمهوريّة، إضافة إلى إسم رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع… وهذه الشخصيّات، ترى فيها الولايات المتّحدة الأميركيّة الصفات “السياديّة” التي تبحث عنها، بالإضافة إلى إمكانيّة تحقيقها “الحياد”، وذلك لتجنيب لبنان الصراعات والحروب الإقليميّة، وعدم توجّهه شرقاً، خلافاً لما يدعو إليه السيّد حسن نصرالله، وحديثاً باسيل.
وفي السيّاق عينه، فإنّ الشخصيّات التي تُؤيّدها واشنطن، تُريد منها أنّ تكون “تواجهيّة” مع”حزب الله”، عبر وضع سلاحه قيد البحث على طاولة الحوار، وصولاً إلى تطبيق القرارات الأمميّة، وأبرزها الـ1559. ويلفت مراقبون إلى أنّ أميركا تتمنّى أنّ يتغيّر نهج الحكم في لبنان، بدءاً من إستبدال فريق “العهد” و”الحزب”، بآخر قادر على تطبيق الإصلاحات الضروريّة.
ويُشير مراقبون إلى أنّ الدول الغربيّة تنتظر إستكمال ما بدأه اللبنانيّون في صناديق الإقتراع، من خلال إيصال 13 نائباً تغييريّاً إلى مجلس النواب، ومعهم نواب مستقلّين، وآخرين ينتمون إلى أحزاب معارضة لـ”حزب الله” وباسيل، للحدّ من نفوذ الأخيرين سياسيّاً، الأمر الذي سيُقلّص أعداد القوى الداعمة لـ”الحزب” وسلاحه.
ويعتبر مراقبون أنّ وصول رئيسٍ وسطيٍّ إلى بعبدا عبر تسويّة، ربما لن يلقى ترحيباً أميركيّاً، وذلك لأنّ الإجماع حوله، يعني أنّ “حزب الله” أيّده، والمواضيع الخلافيّة الكبرى في البلاد، وفي مقدّمتها السلاح غير الشرعيّ، لن تكون موضع نقاشٍ في المرحلة المقبلة، وستبقى السياسة قائمة على المحاصصة والتوافق، إنّ بتشكيل الحكومات، وإنّ بالبحث في الملفات الإصلاحيّة، ومعالجة المشاكل الإقتصاديّة.