من البديهي والطبيعي أن يصار إلى إنتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل 31 تشرين الأول المقبل. ومن البديهي والطبيعي أن تتشكّل حكومة كاملة المواصفات اليوم قبل الغد. وهذا ما يسعى إليه الرئيس المكّلف نجيب ميقاتي على خلاف ما يحاول رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل تصويره، تزويرًا للحقيقة وتشويهًا لها. فشمس هذه الحقيقة طالعة وساطعة والناس “قاشعة”.
فالرئيس ميقاتي، من حيث منطق الأشياء، هو أكثر المستفيدين من تشكيل حكومة أصيلة، ليس لأسباب شخصية أو منفعة ذاتية، بل من منطلق سياسي بحت. فهو في الوقت نفسه رئيسٌ مكّلف ورئيس حكومة تصريف الأعمال، وهو يقوم بواجباته الدستورية في الحالتين، ولكنه يُفضّل، لو عاد الأمر إليه وحده، أن تكون في البلد حكومة تجتمع وتتخذ القرارات المناسبة، وتواصل مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي وتواكب العمل التشريعي الإصلاحي المطلوب في مجلس النواب، مع الإشارة إلى حكومة تصريف الأعمال تقوم بأكثر مما عليها القيام به ضمن المفهوم الضّيق لتصريف الأعمال.
ليس صحيحًا ما يقوله باسيل، سواء بالمباشر أو عبر تسريبات غير بريئة، من أن الرئيس ميقاتي لم يكن في الأساس يريد تشكيل الحكومة، وهو كان يعلم أن رئيس الجمهورية سيرفض سلفًا التشكيلة التي حملها إليه بعد ساعات من إنتهاء الإستشارات النيابية غير الملزمة التي أجراها الرئيس المكّلف. يا “جماعة الخير”. “أخوت يحكي وعاقل يفهم”. إذا أردنا أن نحسبها على طريقة “حسابات ستي” يطلع معنا بما لا يقبل الشك أن كلام باسيل هو محض إفتراء لا أساس له من الصحة. لنا طلب واحد من “الجهابذة” الذين يدورون في “الفلك الباسيلي”، وهو أن يعطونا سببًا مقنعًا واحدًا لإمتناع الرئيس ميقاتي عن تشكيل حكومة سيكون هو رئيسها وليس أحد سواه، سواء تمّ إنتخاب رئيس جديد للجمهورية أو لم يتمّ.
كفاكم إستخفافًا بذكاء اللبنانيين وبعقولهم، بعدما فقدوا جزءًا كبيرًا منها بفعل ما أقدمتم عليه، وبفعل ما تعرّضوا له من مهانات لم يسبق أن تعرّضوا عليها من قبل. وعلى رغم كل هذه المحاولات “الباسيلية” التي تستوحي سيناريوهاتها من أفلام “جيمس بوند”، فإن تحريك عملية تشكيل الحكومة بالمفهوم “الميقاتي” ينطلق من مبدأ تفادي أي فراغ في أي موقع رسمي. وما المساعي التي يقوم بها الرئيس المكّلف وآخرها لقاؤه رئيس الجمهورية بعد ظهر أمس، سوى للحؤول دون الوصول إلى أي فراغ، خصوصًا في الموقع الرئاسي الأول.
ويسأل السائلون عن هدف باسيل من عرقلة مساعي التشكيل وعدم التعاطي مع هذا الملف بجدّية. فما يُخطّط له في “الغرف السوداء” يتخطّى النوايا الحسنة لدى البعض، الذين لا يزالون يعتقدون أن البلد يحتاج اليوم وأكثر من أي يوم مضى إلى الكثير من التضحيات، لأن الوضع خطير جدًّا، ولا يحتمّل التعاطي معه بخفّة . المسألة تتجاوز حصّة من هنا وهيمنة من هناك. فإذا إنهار الوطن لن يبقى لأحد لا حصّة ولا هيمنة ولا نفوذ، ولا يعود الثلث المعطِّل يفيد أحدًا لأن كل المؤسسات ستصبح معطَّلة.ولكن مع إقتراب نهاية ولاية الرئيس عون (شهران بالتمام والكمال)، بدا أن الأوضاع والحسابات قد تبدلت، حيث تقدمت إحتمالات الفراغ الرئاسي لعدة أسباب، أولها التوازن السلبي في البرلمان الجديد الذي يحول دون إنتصار فريق على آخر، ودون وصول “رئيس طرف” الى قصر بعبدا. وبما أن المعادلة تفرض رئيسًا توافقيًا، أي “رئيس تسوية”، وبما أن التسوية غير مكتملة العناصر والظروف، لا على الصعيد الداخلي ولا الخارجي، وهناك ترابط واضح بين رئاسة الجمهورية واتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، وبين إتفاق الترسيم والإتفاق النووي بين أميركا وإيران، وهناك ترابط أيضًا بين هذه الإتفاقات والإنتخابات الإسرائيلية والأميركية، فإن النتيجة ستكون تعذر انتخاب رئيس في المرحلة الدستورية، أي قبل 31 تشرين الأول، والحاجة الى مهلة إضافية تُعد بالأسابيع والأشهر وليس بالسنوات كما حصل في الإنتخابات الرئاسية الماضية.
أمّا لو توافرت الإرادة الداخلية المجرّدة من كل غاية فإن الإعتبارات الخارجية تسقط تلقائيًا، ولا يعود لها أي تأثير داخلي. ولكن…