يُشبّه الكثير من المتابعين ما يحصل في العراق بما يجري في لبنان، فبعد إجراء الإنتخابات النيابيّة، لا يزال الشلّل السياسيّ يسود في بغداد، كما في بيروت، إذ لم تتشكّل حكومة لا هنا، ولا هناك، ومن المتوقّع أنّ يدخل لبنان أيضاً في فراغٍ دستوريٍ في موقع الرئاسة . وفي المشهد العراقيّ، بدأت المطالبة بحلّ مجلس النواب، وإعادة الإنتخابات، إعتقاداً أنّه ربما تتبدّل التوازنات النيابيّة، وتُشكّل حكومة، ويُنتخب رئيسٌ للجمهوريّة. فهل لبنان مُقبلٌ على إنتخابات مُبكّرة، وهل هذا الطرح واقعيّ؟
في هذا السيّاق، يقول مراقبون إنّ إعادة الإنتخابات في لبنان لن تُقدّم ولن تُؤخّر من حيث النتائج، وربما تتغيّر بعض المقاعد التي يدور حولها الجدل في المجلس الدستوريّ حاليّاً، ولن تُساهم في تشكيل أكثريّة بالمعنى الحقيقيّ، قادرة على حسم أيّ إستحقاقٍ، فتبقى العقبة الأساس موضوع نصاب الثلثين وحتّى لو تأمّنت الأصوات الـ65 لانتخاب رئيس الجمهوريّة. ويُضيف المراقبون أنّ التوازنات السياسيّة والطائفيّة مُعقّدة في لبنان أكثر من العراق، علماً أنّ في البلدين مشاكل إقتصاديّة، وأخرى صحيّة ومعيشيّة، بسبب الفساد الإداريّ. ويُشير المراقبون إلى أنّه على سبيل المثال لا كهرباء 24 على 24 في العراق، على الرغم من أنّه بلد نفطيّ، ويعطي الفيول لبيروت. من جهّة ثانيّة، لا مياه في لبنان، والسدود لا تُؤمّنها للبنانيين، بسبب علامات الإستفهام الكثيرة على اماكن تشييدها، إضافة إلى أزمة المحروقات التي زادت من المشكلة.
من جهّة ثانيّة، يعتبر مراقبون أنّ بعض الأفرقاء يتخوّفون من إعادة إجراء الإنتخابات، والنتائج الأخيرة لم تكن بحسب توقّعاتهم. ويُتابعون أنّه مثلا يُمكن لـ”الثنائيّ الشيعيّ” خسارة نائب شيعيّ، في جبيل على سبيل المثال، ما سيُدخل البلاد في تجاذبٍ سياسيٍّ أكبر، على موقع رئاسة مجلس النواب، ومواجهة مباشرة مع “حزب الله” و”حركة أمل”. وفي الإطار عينه، فإنّ نواب “الثورة” لم يستطيعوا بعد 4 أشهرٍ تقريباً من إنتخابهم، أنّ يُحدثوا أيّ تغييرٍ حقيقيٍّ، لا من خلال إنتخابات اللّجان، ولا من حيث تقديم إقتراحات قوانين جديدة تُعنى بوضع اللبنانيين المعيشيّ. كذلك، فإنّ نواب “المعارضة” فشلوا في ما بينهم في توحيد رؤيتهم السياسيّة، وقد انتقل رئيس الحزب “التقدميّ الإشتراكيّ” وليد جنبلاط نسبيا الى ضفة “حزب الله” لايجاد مخرجٍ لانتخاب رئيس الجمهوريّة.
من هنا، فإنّ إجراء إنتخابات مبكّرة لن يلقى موافقة الأحزاب اللبنانيّة، بسبب قانون الإنتخاب الحاليّ، وبسبب عامل المال للحملات والشعارات وتوزيعه على الناخبين، وعدم قدرة الدولة على تأمين المبلغ المطلوب، وقد أُجريت الإنتخابات في 15 أيّار الماضي باللحم الحيّ في الداخل وفي بلدان الإغتراب، كما يصف مراقبون، في حين لا يزال المجلس الدستوريّ يدرس الطعون المُقدّمة إليه. ويجزم المراقبون أنّ طرح “حلّ مجلس النواب” كما في العراق أمرٌ غير واقعيّ، لأنّ النتائج لن تُرضي الأفرقاء، وربما تُساهم في زيادة الشرخ والتأزّم السياسيّ أكثر.
وحول تفلّت الأوضاع الأمنيّة، كما حصل في العراق، يتخوّف مراقبون من سيناريوهين: الأوّل حرب قصيرة مع إسرائيل، بسبب الحدود البحريّة، وإستخراج الثروات النفطيّة والغازيّة، في ظلّ عدم التوصّل بعد لاتّفاق مبدئيّ بين لبنان وتل أبيب، والثاني بسبب الفراغ الدستوريّ في رئاسة الجمهوريّة، بالتوازي مع عدم تشكيل حكومة جديدة، وعدم إجراء الإصلاحات والحاجة الماسّة للاتّفاق سريعاً مع صندوق النقد الدوليّ حول برنامج عمل إقتصاديّ، بالإضافة إلى تحديد خسائر المصارف وإعادة هيكلتها وإرجاع حقوق المودعين. ويلفت المراقبون إلى أنّ كل هذه التراكمات من شأنها أنّ تُفجّر الوضع في الشارع، إنّ من حيث الإحتجاجات، وإنّ من حيث تفلّت السلاح لأخذ المواطنين حقوقهم بالقوّة.
وفي الحديث عن السلاح والإشتباكات التي حصلت في بغداد، فقد سبق أنّ شهد لبنان عدّة جولات مسلّحة بين أبنائه، كان آخرها في الطيونة، على إثر تحقيقات مرفأ بيروت، وإنقسام اللبنانيين بين مُؤيّدٍ للقاضي طارق البيطار، وبين مُعارضٍ للطريقة التي يقود فيها الملف. ويُذكّر المراقبون أنّ أخطر حادثٍ أمنيّ كان خلال 7 أيّار 2008، الذي نتج عنه لاحقاً إتّفاق الدوحة، وجرى إنتخاب الرئيس ميشال سليمان حينها. ولا يستبعدون أنّ يمر الحلّ لانتخاب الرئيس المقبل، وتشكيل حكومة جديدة، بتدهوّر الوضع الأمنيّ أوّلاً، مع بقاء العمل العسكريّ جنوباً احتمالا طاغيا حتّى اللحظة. ويرى المراقبون أنّ “حزب الله”، لو خرج مُنتصراً على إسرائيل، وأعاد تثبيت معادلة الترسيم والإتّفاق مقابل إستخراج النفط، سيكون اللاعب الأساسيّ في المرحلة السياسيّة المقبلة.
وأمام التأزّم السياسيّ محليّاً، ورغم إنشغال الدول الغربيّة بالحرب الأوكرانيّة، فإنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة جدّدت قبل يومين، تأكيدها أنّ ملف الحدود البحريّة أساسيّ بالنسبة لإدارة الرئيس جو بايدن، وبطبيعة الحال لجميع قادة الدول الأوروبيّة، الذين يبحثون عن طريقة للخروج من الصراع الروسيّ – الأوكرانيّ، بسبب الخسائر الماليّة والعسكريّة، والتوجّه نحو منطقة حوض بحر المتوسّط لسدّ حاجاتهم من النفط والغاز. ويختم مراقبون أنّ الغرب يرفض أيّ تدهوّر أمنيّ في لبنان والمنطقة، كيّ لا تستفيد روسيا منه، وتُعزّز إيران من وجودها، وتكون دول الإتّحاد الأوروبيّ وأميركا خاسرين.