بالتوازي مع المسار السياسي العام في لبنان والمرتبط بجملة استحقاقات دقيقة قد يفضي بعضها الى تسوية شاملة، كملف ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، وخطّة الانقاذ الاقتصادي سواء كانت متصلة بصندوق النقد الدولي أو بقدرات لبنانية ذاتية، إضافة الى الانتخابات الرئاسية بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون والتي ستدخل البلاد في عهد جديد، ثمة ارباكات جدية تواجه “التيار الوطني الحر” الذي يدرك أن كل المسار المُقبل سينطلق بشكل واضح عكس مصلحته!
يدرك “الوطني الحر” أن ما بعد المرحلة المقبلة ليس كما قبلها، إذ إنّ المحطة السابقة شكّلت له ذروة شعبية استطاع من خلالها الدخول الى الحياة السياسية بخطوة الواثق، واستحكم بالسلطة التنفيذية بقبضة من حديد، وتمكّن لاحقاً من إيصال العماد ميشال عون الى سدّة الرئاسة وإقرار قانون انتخابي ببصمة “برتقالية” يخدم مصالحه من كل الجوانب، الامر الذي تكشّف بعد الانتخابات النيابية الاخيرة على الرغم من التدهور الشعبي الكبير الذي ألمّ به في مختلف الدوائر.
كل المُكتسبات التي حقّقها “التيار” في فترة سابقة من خلال تحالفاته ولعبه على التوازنات لن تكون ممكنة في المرحلة المقبلة، لا سيما وأن سيناريوهين أساسيين سيتشظّى بفعلهما؛ الاول خروجه الهزيل من السلطة مع نهاية حُكم “العهد” متورّطاً بانهيار اقتصادي كامل ترافقه سلسلة أزمات من بينها سياسية ومعيشية.اما السيناريو الثاني والأهم الذي يجهّز له خصوم “التيار” قبل بدء العدّ العكسي لنهاية العهد وربّما مع بداية ثورة 17 تشرين وانطلاق قطار الانهيار بسرعة قياسية، فينركّز حول فرض معادلة جديدة في الشارع المسيحي تنزع عن رئيس “الوطني الحر” صفة الزعيم الاوحد من جهة، وتمنع تكرار تجربة “السنوات الستّ” الاخيرة التي فرضت عهداً “مستقوياً” حاولت بعض القوى السياسية الاساسية التصدّي لعنجهيته وتحديداً رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط اللذان يسعيان اليوم بشكل مباشر او غير مباشر الى تحجيم “التيار” وتقليص نفوذه في السلطة وإنهاء المرحلة الماضية التي كان “التيار” فيها المتحكّم الوحيد بكل مفاصل الحكم، ما أدخل البلاد بفوضى عارمة لم يسبق لها مثيل.
ينشغل اليوم خصوم “التيار” بمهمّة إيصال رئيس جمهورية لا يلعب دور “الخادم” لمصالح “التيار” الامر الذي ألمح له رئيس مجلس النواب نبيه بري في خطابه الاخير في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر. وعليه فإن التكتل المعارض لـ “التيار” والذي غضّ النظر عن وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية في العام 2016 بسبب اصرار “حزب الله” على تبنّي ترشيحه آنذاك، حيث خاض لأجله معارك الاقناع والاخضاع، لن يغضّ النظر عن احتفاظ “التيار” بنفوذه في المرحلة المقبلة.من هنا، يبدو واضحاً أن إحد أهم أهداف خصوم “التيار” يتمحور حول نقطة أساسية وهي التضييق عليه ومحاصرة نفوذه لإخراجه من السلطة التنفيذية بالقدر الممكن في محاولة لوضع حدّ “لمشاغبته” سياسياً وإدارياً كما فعل في الماضي. ولعلّ نهاية ولاية الرئيس ميشال عون ستكون عاملاً أساسياً يساهم في تحقيق أهداف الخصوم، إذ إن رحيل عون سيُضعف “التيار” ويسلبه التوقيع الاساسي الذي كان من خلاله يمتلك قوة تفرض على كل القوى السياسية التفاوض معه، سواء في ملف التعيينات او في عملية تشكيل الحكومات وغيرها من الاستحقاقات التي يستخدم فيها “التيار” حق “الفيتو” الممنوح له بقوة “القصر”!