كتبت” نداء الوطن”: في حادثة وفاة الموقوف السوري أثناء التحقيق معه في مركز جهاز أمن الدولة في تبنين بعد توقيف خلية تابعة لتنظيم «داعش» الإرهابي في بنت جبيل، يسجّل مصدر متابع لـ»نداء الوطن» الوقائع والملاحظات التالية:أوّلاً: بعد توقيف خلية «داعش» في بنت جبيل من قبل جهاز أمن الدولة، وأثناء التحقيقات مع أفرادها أقرّوا عن شريكين ما زالا متواريين عن الأنظار، وبعد رصد ومتابعة تم توقيف أحدهما (وهو الذي توفّي لاحقاً) وتستمرّ عملية متابعة الآخر وتضييق رقعة حركته تمهيداً لتوقيفه، ويرجّح أن يكون تمّ توقيفه ولكن من دون الإعلان عن ذلك. وأثناء مواجهة أفراد الخلية مع الموقوف الذي توفي لاحقاً حصل تضارب بينهم لاعتبار الأخير أنّهم خانوه بالإقرار عنه، وهو من الإرهابيين الخطيرين الذين قاتلوا الى جانب أبي بكر البغدادي. تدخّل عناصر التحقيق لفض الإشكال ونالهم من الضرب النصيب الوافر وأصيب أحد العسكريين بكسر في يده، هنا انهال عناصر المكتب بالضرب على السوريّ الداعشي ما أدّى الى توقّف قلبه ووفاته.ثانياً: على الاثر تم وضع كامل الملف في عهدة القضاء المختص، وكانت التحقيقات تتمّ بناء لإشارته، وكشفت الأدلة الجنائية لـ(فرع المعلومات) على جثة المتوفّي وأجرت الصور الشعاعية وفحوصات الدم، كما أخذت صوراً فوتوغرافية للجثة، وتم توقيف رئيس المركز والعناصر الذين كانوا يحققون مع الخلية الداعشية، إلا أن صور الجثة تمّ تسريبها الى إحدى وسائل الإعلام وجرى تداولها لاحقاً على نطاق واسع، ما يدلّ على إرادة بإظهار القضية الى الضوء وجعلها قضية رأي عام، وهذا ما اعتبره البعض أنه ربما يدخل من ضمن صراع الأجهزة في لبنان، علماً أنه في كل اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع أو اجتماع أمني موسع يتم التأكيد على أهمية التنسيق الكامل بين الأجهزة وتعاونها، إلا أن هذا الأمر يبقى حبراً على ورق.ثالثاً: منذ تعيين العميد حسن شقير نائباً لمدير عام أمن الدولة، وهو يعمل على نقل خبرته وتوظيف الشبكات التي كان يديرها لإنهاض الدور الأمني لمديرية أمن الدولة، وعمد الى تشكيل فريق استشاري خاص به ومن ضمنه صحافيون اعتاد العمل معهم في مديرية المخابرات، وهو الذي أدار عملية الكشف وتوقيف خلية داعش في بنت جبيل وتعاطى مع الأمر على أنه الإنجاز الأساسي الأول له في المديرية، والعملية بالكامل تمّت في فترة غياب مدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا خارج البلاد في مهمة تتصل بعمل المديرية، ولم يكن قد مضى أقل من ساعتين على وصول اللواء صليبا الى مطار رفيق الحريري الدولي قادماً من قبرص حتّى تمّ إبلاغه بالقضية، فعقد اجتماعاً سريعاً أكد في خلاله أن الجميع تحت القانون وأن هذه القضية يجب ألا توهن عزم المديرية عن متابعة عملها.رابعاً: حاول العميد شقير أن يحمّل رئيس مركز تبنين في أمن الدولة كامل المسؤولية، ولكن فاته أنه بغياب المدير تنتقل كامل الصلاحية والإمرة اليه، وبما أنه هو من أدار عملية التوقيف يُفترض به أن يدير عملية التحقيق وأن يكون على متابعة لحظوية لكل المجريات، وبالتالي أن يضع كامل الحمل على رئيس المركز وعناصره هو هروب موصوف من تحمل المسؤولية باعتباره المسؤول الأول عن كل ما يحصل طيلة فترة غياب المدير خارج البلاد.وتكشف مصادر أمنية لـ»نداء الوطن» أن العميد شقير كان قبل فترة قد عقد اجتماعاً مع رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد خالد حمود، بهدف وقف التنازع والتصارع بين الجهازين بعد سلسلة إشكالات حصلت بينهما، وتم الاتفاق على طي الصفحة والبدء بالتعاون من جديد، إلا أنّ سياق الامور بعد هذا الاجتماع لم يبشّر بالخير، لذلك بعد تسريب صور الموقوف المتوفي استشاط العميد شقير غضباً وأصرّ على إصدار بيان فيه هجوم عنيف على العميد حمود من دون أن يسميه، إلا أن اللواء صليبا رفض الأمر بالمطلق وأعطى تعليماته بإصدار بيان هادئ وسلس ووضع كامل القضية في يد القضاء، وهذا ما حصل.
وتضيف المصادر أن الصراع انتقل الى داخل جهاز أمن الدولة، بدليل أن تسجيلاً صوتياً للعميد شقير كان عمّمه على رؤساء المراكز والمناطق في مديرية أمن الدولة، وهو تسجيل محصور جداً، تم تسريبه وتداوله عبر مجموعات الـ»واتساب» ووسائل التواصل الاجتماعي، وهناك تبادل اتهامات بين ضباط محسوبين على حركة «أمل» وآخرين محسوبين على «حزب الله» حول تسريب التسجيل، الأمر الذي سارع الى حسمه المدير العام بالتأكيد على تماسك الجهاز من خلال تطبيق القانون والتعليمات على الجميع بلا استثناء.
وكتبت” الاخبار”: لم تكن قيادة أمن الدولة على مستوى المسؤولية في التعامل مع جريمة ارتكبها عناصر وضباط في الجهاز بتعذيب الموقوف السوري بشار عبد السعود حتى الموت. إذ واصلت محاولة التستر على جريمة بشعة ضد موقوف أعزل، وأصدرت المديرية العامة لأمن الدولة بياناً أكدت فيه أنها «حريصة دائماً على المصداقية والموضوعية والشفافية»، وأشارت إلى أن تحقيقات أجرتها مع موقوفين أدت إلى توقيف شريك لهم. وأثناء التحقيق مع الأخير، اعترف بأنه ينتمي إلى تنظيم «داعش» الإرهابي، وأنه كان في عِداد مقاتلي التنظيم، ويدين بالولاء له. هكذا، أصدرت المديرية حكماً مسبقاً من دون محاكمة على موقوف قُتِل على أيدي عناصرها، وأسبغت عليه تهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي وكأن ذلك يبرّر تعذيبه بوحشية.
وفي هذا السياق، وثّق تقرير الطبيب الشرعي غالب صالح الذي كشف على جثة عبد السعود الأربعاء حجم الوحشية التي تعرض لها. إذ أشار إلى حروق وكدمات غطّت أنحاء جسده ناجمة عن ضرب مبرح وجلد بأسلاك معدنية. لكن كان لافتاً أن الطبيب كشف على الجثة الأربعاء، فيما أرّخ تقريره في الثاني من أيلول، أي يوم الجمعة، عندما نشرت «الأخبار» تفاصيل قتل عبد السعود، وفي اليوم نفسه الذي توجّه فيه مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي إلى بلدة تبنين لمعاينة الجثة. وهنا تنبغي الإشارة إلى أنه إذا كان ما قاله شقير صحيحاً في شأن وجود تقرير طبيب شرعي يفيد بأن الوفاة طبيعية، بالتوازي مع اللبس الحاصل في تاريخ التقرير، فإن ذلك يعني احتمال وجود تقريرين طبيين متناقضين، أحدهما حُرِّر قبل تسريب صور آثار التعذيب على الجثة، والثاني بعد نشرها. ما يعني أن عقيقي، على الأرجح، سيسائل الطبيب الشرعي عن سبب الاختلاف بين تاريخ الكشف على الجثة وبين تاريخ التقرير.
يذكر أن عقيقي إشارته بتوقيف الضابط المسؤول عن مركز بنت جبيل التابع لمديرية أمن الدولة ح. ا. وأربعة عناصر في المكتب الإقليمي هم عباس خ. و فادي ف. و يوسف ب. وخضر ز.، واستمع إلى جوزيف ح. وباسم ن. وعلمت «الأخبار» أن العناصر أفادوا بأنهم تسلّموا الموقوف من القوة الضاربة في الجهاز التي تولّت توقيفه في بيروت على هذه الحال من التعذيب. عندها أشار عقيقي بالاستماع إلى عناصر السرية التابعة للقوة الضاربة في المديرية التي تولّت نقل الموقوف من بيروت إلى الجنوب. وبحسب المصادر فإنّ القوة الضاربة أبرزت تسجيلاً مصوراً للاستماع إلى إفادة عبد السعود وتسجيلاً مصوراً آخر مع صور أثناء تسليمه في تبنين من دون أن تبدو عليه آثار تعذيب، ما يرجّح أن التعذيب تم على أيدي عناصر أمن الدولة في تبنين. أما في ما يتعلق بالرواية التي حاول ضباط في الجهاز تسويقها حول وقوع الموقوف تحت تأثير المخدر وتدوين ذلك في محضر التحقيق مع الإشارة إلى اعترافه بتناول الكبتاغون، فقد دحضتها نهائياً نتائج الفحوصات التي أكدت خلو دمه من أي أثر للمخدرات.
وعبد السعود من مواليد 1993 متأهل ولديه ثلاثة أولاد، وهو مقيم في مخيم شاتيلا، ويعمل في مجال الدهان والباطون. وعلمت «الأخبار» أن الأمن الوطني الفلسطيني أوقفه، بناء على طلب أمن الدولة، وسلّمه في اليوم التالي إلى دورية للقوة الضاربة من دون أن يكون قد تعرّض لأي ضرب أو تعنيف. وقد أبلغ المحققين أنه قبل يومين من توقيفه اختلف مع أحد الأشخاص على خلفية تقاضيه خمسين دولاراً منه تبيّن أنها مزوة، فيما لم يتبين ما يثير شبهات أمنية حوله.