لا يُحسد رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل على ما هو عليهِ اليوم في ظلّ خوضهِ معارك سياسيّة أقلّ ما يُقال عنها إنها خاسرة او غير موفقة. آخر الضربات التي تلقاها باسيل مؤخراً كانت من رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع يوم الأحد الماضي، إذ شنّ الأخيرُ هجوماً لاذعاً ضدّ باسيل وعهد رئيس الجمهورية ميشال عون من دون تركِ أي سبيل قد يُمهّد لتسويةٍ تحصلُ لاحقاً. هنا، وبشكل أو بآخر، قطعَ جعجع “شعرة مُعاوية” بينه وبين باسيل، معلناً مرحلة مواجهة جديدة تحت عنوان: “لا لجبران ولا لأي رئيس يرتبطُ به”.
وإنطلاقاً من هجوم جعجع، يتحضّر باسيل، اليوم الثلاثاء، لشنّ معركة سياسية مُضادة، لكنّ الأمر الأهم يرتبطُ بما سيقوله باسيل، وبالطريقة التي سيواجه بها رئيس “القوّات”. ففي مقاربة بسيطة، يمكن اعتبارُ معركة جعجع أكثر قوة من تلك التي يخوضها باسيل لأسباب عديدة، أولها أن رئيس “القوات” لا يستعدي كل الأطراف خصوصاً المنضوية تحت لواء المعارضة، بينما ليس لدى باسيل “مونة” على ما تبقى لديه من حلفاء وتحديداً “الصقور” الذين غيبتهم الانتخابات النيابية. كذلك، ما زالت لدى “القوات” قدرة على استمالة جبهات نيابيّة مسيحية إليها مثل “الكتائب اللبنانية” والنواب الذين يتمتعون باستقلالية بعيداً عن أجواء “الوطني الحر”. أما ما لا يمكن نكرانه هو أن جعجع تمكن من استقطاب بعض النوّاب السنّة أيضاً، وهو أمر شكّل علامةً سياسية لم يحظَ بها باسيل هذه المرّة، إذ ما من دعمٍ سني نيابي واضحٍ له في البرلمان الجديد.
رهانٌ قد يكسبُه باسيل
في ظلّ هذه المشهديّة البارزة، ما يُمكن قوله هو أنّ باسيل يتنقّل بين الألغام السياسيّة، والسؤال المطروح هُنا: ما الذي يبحثُ عنه؟ هل معركة آخر العهد ستفتحُ الباب أمام مكاسب سياسيّة لاحقة؟ ما الذي يُراهن عليه باسيل في وجهِ جعجع؟بمعزلٍ عن أي تأييد سياسي داخل البرلمان، يقف باسيل أمام تحدٍّ واحد يتمثّل في قدرتهِ على إعادة الترويج لمبدأ “الرئيس القوي بتمثيله الشعبي”. في الوقت الحالي، يتلاقى جعجع مع باسيل على هذا الأمر وإن كان ذلك بشكل غير علنيّ. ففي حال أرادَ جعجع الرّكون إلى شعار باسيل المُرتبط باختيار رئيسٍ على قاعدة التمثيل النيابي لكل جهة مسيحية بالدرجة الأولى، عندها ستتحقق معركة الرئاسة بشكل فعليّ داخل مجلس النواب، وستُصبح عملية “جمع” النواب هي الشّغل الشاغل لأي طرفٍ بغية الحصول على أكثرية نيابيّة. عندها، ستنتفي عمليات “إسقاط الأسماء” التي كانت تجري سابقاً، وستكون هناك معركة جديّة بالفعل.
على هذا الأساس، يتحرّك باسيل اليوم رغم درايته بأن وصوله إلى قصر بعبدا يعتبر أمراً مستحيلاً، إلا أن لديه هدفين: الأول وهو إقصاء جعجع والثاني تكريس نفسه كـ”صانع للرؤساء”. فبشكل غير مباشر، يُحاول رئيس “الوطني الحر” إيصال الأفرقاء السياسيين إلى مرحلةٍ تُصبح فيها معركة الرئاسة مرتبطة بأمرين أساسيين فقط: الأول وهو جعلها مسيحية بامتياز، في حين أن الأمر الثاني يتعلق بالجهة المسيحية التي ستحظى بتأييد حلفاء لها داخل المجلس النيابي بشكل يجعلها تطغى على غيرها “عددياً”.على أساس كل ذلك، فإنّ تكريس هذه المعادلة سياسياً، قد يُكسبُ باسيل الرهان أمام جعجع حتى وإن لم يصل الأول إلى بعبدا لأن ذلك محسوم حالياً نظراً لعدم وجود أرضية خصبة لذلك، علماً أن الأخير لا يلقى أيضاً قبولاً عاماً كرئيسٍ للجمهورية. وتالياً، إذا تمكن باسيل من حصر المعركة بناء للتمثيل المسيحي الذي يتغنى به مع الحلفاء الآخرين، عندها لن يبقى “حزب الله” بمنأى عن الخيارات التي يريدها حليفه، إذ لن يقبل بجعجع في أي حال من الأحوال، في حين أن كتلة “اللقاء الديمقراطي” التي تمثل رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط قد تلعبُ دورها على صعيد تسويةٍ تساهم في إقصاء جعجع عن قصر بعبدا مُجدداً، ولكن من دون تمرير باسيل إلى هناك.في هذه الحالة، قد تدخل شخصية وسطية رئاسيّة أخرى على الخط وقد تحظى باستقطاب الجميع، وبإمكانها جذب كتلة نيابية وازنة إليها تمكنها من اكتساب أصوات الثلثين في مجلس النواب. هنا، سيكون الأمرُ مرتبطاً برئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية الذي يسعى باسيل حالياً لتحجيمه “نيابياً” عبر اعتبار أنه ما من تمثيل واسعٍ له. إلا أنه في حال نجح التقارب بين الرجلين خلال المرحلة الراهنة، عندها من الممكن أن يشكل باسيل معبراً لفرنجية وفقاً لشروط تسمح للأخير بتعزيز مكانته سياسياً مجدداً. وفي هذه الحالة، سيكون باسيل قد حقق فوزاً بإقصاء جعجع عن الرئاسة وضمان فرنجية “الأقرب إليه”، وثانياً يكون قد تمكن من تكريس انطلاقة جديدة لنفسه ضمن عهدٍ جديد. وبذلك، يكون باسيل قد حقق مُجدداً مقولة “الرئيس القوي” وفق قاعدته عبر الكتل النيابية، ومن خلال “خلطة” تأييدٍ شاملة على أكثر من اتجاه.