كما كان متوقعًا، رفع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع “سقف” الخطاب السياسي، إلى أعلى مستوياته، مهاجمًا “العهد” بشخص رئيس الجمهورية ميشال عون الذي لم يكتفِ بوصفه بـ”الخاضع والخانع”، بل اعتبره “أضعف رئيس في تاريخ لبنان”، ومصوّبًا باللهجة نفسه على رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، محذرًا من “محاولة للإتيان به أو بشخص محسوب عليه” رئيسًا للجمهورية.
في الخطاب الذي ألقاه الأحد في مناسبة ذكرى “شهداء المقاومة اللبنانية”، اختار جعجع المضيّ في “التصعيد” بوجه عون وجعجع، ومعهما “حزب الله”، متمسّكًا بمطلبه الثابت بـ”رئيس مواجهة إنقاذي”، ودعوته لسائر أطياف المعارضة للالتفاف حوله، متجاهلاً في هذا السياق كلّ الأصوات الرافضة لفكرة “التحدّي”، لأنّ المطلوب، كما قال، رئيس إنقاذي “يوقف كلّيًا ممارسات المنظومة الحاكمة، وإلا نخون الأمانة”.
وفي حين لافتًا أنّ جعجع قفز بشكل أو بآخر فوق “الانقسامات” في صفوف المعارضة، حتى إنّ “المبادرة الرئاسية الإنقاذية” التي أطلقها نواب “التغيير” غابت عن متن خطابه، ربما لـ”الاختلاف في وجهات النظر” بين الجانبين، فإنّ علامات استفهام طُرِحت حول “المقاربة العونية” له، خصوصًا لما انطوى عليه من “هجوم مباشر”، يُتوقَّع أن يتصدّى له الوزير باسيل في مؤتمره الصحافي الليلة.
“حقد وشعبوية”
استنادًا إلى “التغريدة الشهيرة” للوزير باسيل في الأول من أيلول، والتي نعت فيها خصومه بـ”الحاقدين”، فهم يريدون أن يبقى لبنان في العتمة، ولا يريدون رئيسًا قويًا ولا دولة قوية، سارع “العونيون” إلى إلصاق “التهمة” بجعجع، توازيًا مع “التقليل” من شأن الخطاب، الذي بدل أن يسمعه باسيل، “شوهد” مشاركًا في مهرجانات البترون، وفق ما روّجت الحسابات “العونيّة”، كما وسائل الإعلام المحسوبة على “التيار الوطني الحر”.
يقول “العونيون” إنّ معظم ما ورد في خطاب جعجع “لا يستحق التعليق”، فهو لم يناقش المشروع السياسي الذي تصدّى له “العهد”، ولم يطرح أفكارًا “إصلاحيّة”، بقدر ما انطوى على “حقد وشعبوية” تمثّل في الهجوم غير المبرَّر على رئيس الجمهورية، والذي يرقى بالنسبة إلى هؤلاء لمستوى “القدح والذم”، فضلاً عن كونه في جزء أساسي منه يشكّل “إساءة” إلى موقع رئاسة الجمهورية، بعد “تسطيح” معركة تحصيل حقوق المسيحيين بوصفها “كذبة”.
بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ الرئيس ميشال عون لا ينتظر “شهادة” من جعجع، الذي حاول أن “يربّحه جميل” وصوله إلى الرئاسة، قبل أن “يتنصّل” بنفسه من هذه المسؤولية، بعدما “انقلب” عليه لأنه لم يحصل منه على “مبتغاه”، ليصبح اليوم “أضعف رئيس”، ربما لأنّه “لم ينجرّ” إلى حيث كان يريد البعض أن يدفعه، “فلم يساوم ولم يتنازل”، وبقي “ثابتًا” عند تمسّكه بالحقوق، بل أعاد لموقعه “هيبة” أفتقدها منذ “انتُزِعت الصلاحيات” من الرئيس، وفق ما يقول “العونيون”.
جعجع “ضعيف”؟!
لا يكتفي “العونيون” بذلك في الردّ على جعجع، ولو أنّ خطابه برأيهم “لا يستحق التعليق”، فهم يجزمون أن الرئيس ميشال عون، خلافًا لما حاول “الحكيم” الترويج له، لم يكن فقط “رئيسًا قويًا”، بل هو الذي كرّس هذا الاتجاه، وأعطى جعجع “امتياز” اعتبار نفسه “مرشحًا طبيعيًا”، ولو أنّ الأخير يبدو كمن “يتنازل” عن هذا “الامتياز”، خصوصًا برفضه “التفاهم” مع باسيل، وصدّه “اليد الممدودة” من جانب الأخير على أبواب الانتخابات الرئاسية.
لكن، أبعد من “اللهجة المرتفعة” لجعجع في مواجهة “العهد”، يرى “العونيون” أنّ خطابه الأخير، معطوفًا على كلّ خطاباته السابقة في الآونة الأخيرة، يدلّ على أنّه “الضعيف عمليًا”، حيث “يعجز” حتى الآن عن “ترجمة” أقواله إلى أفعال، هو الذي لم ينجح في “عبور” أيّ من الاستحقاقات، رغم مجاهرته بعد الانتخابات النيابية، بأنّه بات رئيس الكتلة النيابية الأكبر، بل إنّ “الأكثرية” أصبحت بيده، وهو ما كرّره بالأمس، رغم ثبوت “زيفه” وفق الرواية “العونية”.
يذهب “العونيون” أبعد من ذلك، فيقولون إنّ الأوْلى بجعجع، قبل افتعال “البطولات الوهمية”، أن يرصّ صفوف المعارضة، إذ أصبح واضحًا أنّ “الأكثرية” التي يتحدّث عنها “أضعف” من القدرة على إيصال الرئيس، طالما أنّها غير قادرة على التوافق حتى على “مواصفات” الرئيس العتيد، فهو يريده رئيس “مواجهة وتحدٍ”، فيما النواب “التغييريون” كانوا يجاهرون بخلاف ذلك قبل يومين فقط، حين دعوا لرئيس “إنقاذي”، يكون “محلّ ثقة” الجميع!
يقول جعجع عن الرئيس ميشال عون إنّه “أضعف رئيس”، فيردّ “العونيون” أنّ جعجع هو “الضعيف”. قد تكون معادلة مألوفة ومعتادة في الواقع الداخلي اللبناني، لكنّها بلا شكّ لا تبشّر بالخير، بل تنذر بـ”مواجهة” قد لا تكون “حميدة” على أبواب انتخابات رئاسية، يبدو أنّ معظم الأطراف سلّموا سلفًا بأنّ الفائز بها لن يكون سوى “الفراغ”، وسط مخاوف من “أزمة مفتوحة”، في بلد يبحث عن حدّ أدنى من “استقرار” يبدو “سابع المستحيلات”!