كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”: “إن الله حين أراد أن يخلق حواء من آدم لم يخلقها من عظام رجليه حتى لا يدوسها، ولا من عظام رأسه حتى لا تسيطر عليه، وإنّما خلقها من أحد أضلاعه لتكون مساوية له قريبة من قلبه». التوقيع: طاغور. في لبنان، في القرن الواحد والعشرين، ما زلنا نعيش على الشمعة، بلا مياه، بلا إتصالات، بلا إنترنت، بلا دواء، بلا ضمان، بلا حياة وبعضنا «بلا جنسيّة» أيضاً. فهل نقول لمن ولدوا من أمّهات لبنانيات ولم ينالوا الجنسية اللبنانية: نيالكم؟ أم نقول للنساء اللبنانيات، أباً عن جدّ، ممن أنجبن من غير لبناني: دافعن عن حقوقكنّ وحقّ أولادكنّ بجنسيتكنّ حتى آخر نفس؟ اللهمّ أن يبقى في لبنان، الوطن، نفَس…
هناك من كان يبتسم في سرّه وهو يتابع «النقاش» الذي دعت إليه رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية كلودين عون تحت عنوان: جنسيّة مش تجنيس. فالمؤتمر بدا، أقلّه في الشكلِ، جاهزاً للقول: نحن فعلنا وأنجزنا وحققنا ونعمل. المؤتمرون يدركون (للأسف) أن المسائل تتبدّل مع تغيّر العهود وقد يأتي عهد إمّا ينهي ما بدأه العهد الذي سبقه أو ينسب ما أنجزه «عهد سالف» له. لذا إنتظروا مؤتمرات خلال خمسين يوماً مضمونها «لا شيء».
قوانين ذكورية
كانت المشاركة في حلقة «جنسية مش تجنيس» النقاشية. كثيفة. نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي حضر. نائبا التيار الوطني الحرّ: ندى بستاني، فريد البستاني. وزير السياحة وليد نصار. قضاة وأمن عام ونساء ورجال وأمّهات وأولاد وهمّ مشترك: حقّ المرأة اللبنانية في المواطنية الكاملة وفي منح جنسيّتها لأولادها.
في المضمون، تنتقص القوانين بشكل فادح من حقوق المرأة اللبنانية. إنها قوانين ذكورية بشعة. أما في الشكلِ، فهناك من يرى أن توقيت «النقاش» هو خارج الزمن. فالأزمات ترخي بثقلها من كل حدبٍ وصوب، وهناك من يربطون بين الجنسية كحقّ وبين التجنيس كأمرٍ مرفوض. وبالتالي، كلّما طُرحت المسألة ربطها كثيرون، بشكلٍ تلقائي، بأعدادٍ مخيفة من اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين في لبنان. هو أمرٌ قد يفهمه البعض غير أن فتيات – صحافيات – شاركن في اللقاء عبّرن بوجع عن معاناتهنّ. كلودين عون أفشت بسرٍ: عدد الصحافيين والصحافيات في لبنان، ممّن لا يحملون جنسية لبنانية، كبير. وواحدة من الصحافيات – عمرها 29 عاماً – قالت: ولدتُ من أب فلسطيني، عمري 29 عاماً، وعبثاً سعيت للحصول على الجنسية اللبنانية. فشلت دائماً في ذلك الى أن تزوّجت لبنانيّاً فحصلتُ على الجنسية التي حُرمت منها طوال 29 عاماً.
رسالة إلى بيّ الكل
واحدة من الرسائل التي ألقيت في اللقاء وصلت الى قصر بعبدا، الى بيّ الكل، وفيها حالة إمرأة لبنانية تقول: «تزوّجتُ من شخص غير لبناني وأولادي لم يحصلوا على الجنسيّة فذهبنا الى كندا ونحن نعيش هناك الآن. أرجو منك «بيّ الكل» أن نحصل على الجنسية اللبنانية.
ماذا في جديد حقّ المرأة في إعطاء الجنسية الى أولادها؟
دراسة جديدة أصدرتها «الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية» أعادت التذكير فيها بالتمييز الواضح في قانون الجنسية اللبنانية وفي الأرقام «عدد إقامات المجاملة الممنوحة لأزواج وأولاد اللبنانيات المتزوجات من غير اللبنانيين في مركز الكورة مثلا: 6159، وفي مركز ضهور الشوير: 3665، وفي مركز زحلة: 30,051، وفي مركز شمسطار: 3265، وفي مركز طرابلس: 59,394، وفي مركز بيروت: 59,280، وفي مركز الشويفات: 27,113، وفي مركز صور: 10,304… أرقام أرقام وطلبات طلبات قد تشي ببعض الحقائق في الموضوع. فما حال كل هؤلاء؟ ما مصير أولاد اللبنانيات الذين يضطرّون الى تجديد إقاماتهم والتعرض «الى الذلّ» كما وصفته إحداهنّ؟ مسؤول في الأمن العام شارك في اللقاء إنتفض لكلمة «الذلّ» مؤكّداً «أن الأمن العام يفرض أقل عدد من الأوراق والمستندات حين تكون المعاملة «مجاملة» (أي إقامة لزوج وأولاد المرأة اللبنانية غير الحائزين الجنسية): ويقول «لا نطلب منذ 12 عاماً، وتحديداً منذ العام 2010، أي تعهد من هؤلاء بعدم العمل».
وتناولت الدراسة طرق إكتساب الجنسية الأصلية في القانون اللبناني وتوقفت عند البنوة أو رابطة الدم، التي تمنح الجنسية بموجبها بالنظر الى الأصل الذي يتحدّر منه الولد، فيعطى جنسية أبيه. وقانون الجنسية اللبنانية يرتكز على رابطة الدم الأبوية، ما يعني أن اكتساب الجنسية اللبنانية مربوط بنسب الأب وليس نسب الأم. وهناك الجنسية التي تعطى بحكم رابط الأرض. في هذا الإطار ورد في الفقرتين الثانية والثالثة من المادة الأولى من القرار 15/125 على أنه يعدّ لبنانياً كل شخص مولود في أراضي لبنان الكبير ولم يتبيّن أنه اكتسب بالبنوة عند الولادة تابعية أجنبية. وكل شخص يولد في أراضي لبنان الكبير من والدين مجهولين أو والدين مجهولي التابعية. ماذا قد يعني ذلك؟ باختصار، ذلك يعني أن الأم اللبنانية غير قادرة على منح جنسيتها الى أطفالها من أجانب، أما إذا سجّلتهم على أنهم غير شرعيين، أو لقطاء، فيمكن أن يحصلوا حينها على الجنسية. أتتصوّرون ذلك؟ هل تتخيّلون أن تُسجل أمّ طفلها لقيطاً لتتمكّن من إعطائه الجنسية؟