قبل ان تطّل فرقة “مياس” المبدعة على العالم بأبهى تجلياتها المبهرة، والتي تظهر قدرة اللبنانيين على التفّوق، أطّل رئيس “التيار الوطني الحر” نائب البترون على اللبنانيين، فزاد من يأسهم يأسًا، وضاعف من قرفهم حتى التقيوء. ولم يكتف بـ “وإذا إبتليتم بالمعاصي فأعتصموا”، بل أصرّ على مراكمة فشل السنوات الست بفشل آخر، ولا نعتقد أنه سيكون الأخير.
فـ”رجل التجارب الفاشلة” بشرّنا بـ”فوضى دستورية”، بعدما طوّب نفسه “ناسكا”في جمهورية الفساد. لم يسلم أحد من “شرّه”. لا رئيس مجلس النواب، ولا الرئيس المكّلف، ولا القضاة ولا الإعلاميون، ولا معظم السياسيين، الذين لا يدورون في دائرة “الهالة العونية – الباسيلية”. جميعهم فاسدون من رؤوسهم حتى أخماص أقدامهم. وحده “الناسك الزاهد ” غير ملوّث. وحده غير فاسد. وحده المنزَّه. وحده الشريف الطاهر. وحده حامي الحمى. وحده الذي يجروء أن يقول ما لا يجروء الآخرون على قوله.
أمّا الآخرون فجميعهم، في نظر “الناسك الزاهد “من دون إستثناء فاسدون ومفسدون.
وقبل تفنيد مواقف باسيل من الحكومة والرئاسة و”نظام ما خلوّنا” والفوضى الدستورية لا بدّ من شكر فرقة “مياس” لأنها سمحت لنا، بعد ستين دقيقة من معاناة الإستماع إلى “الهلوسات الباسيلية”، أن نرى بصيص أمل في عتمة السنوات الست العجاف. شكرٌ وألف شكر.
أمّا بعد،
ما ورد في كلام نائب البترون من حملات على الرئيس نبيه بري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع، وإن لم يذكر إسمهما، لا شأن لنا فيه. فالرجلان كفيلان بالردّ عليه بما يناسب.
أمّا ما يعنينا بالمباشر فهو تهديده بإعتباره حكومة تصريف الاعمال حكومة غير شرعية بعد انتهاء العهد الحالي وفي حال حصول الفراغ، وقال إن عدم تشكيل حكومة كاملة المواصفات خلال ما تبقى من ولاية الرئيس عون سيفتح الباب على ما هو أوسع من الفوضى الدستورية، و”الفوضى الدستورية تبرّر الفوضى المقابلة”.
وهذا التلويح “الباسيلي” ليس سوى تمهيد بالغ الخطورة لاستعادة حقبات الانقسام الوطني حول اشكالات يُراد لها أن تكتسب الطابع الدستوري، ولو ان واقع تولي الحكومة الحالية المسؤولية التنفيذية مكان رئيس الجمهورية هو واقع مبتوت دستوريًا، بإعتراف شريحة واسعة من الخبراء الدستوريين.
أمّا المفاجآت التي لوح بها باسيل فستكون ترجمتها بإمتناع وزراء “التيار الوطني الحر” عن المشاركة في أي مهام تتفرّع عن توكيل صلاحيات رئيس الجمهورية لحكومة تصريف الأعمال، ما يعني في نظر “المنظرّين الباسيليين” أن الحكومة لن تستطيع ممارسة الصلاحيات الرئاسية، حتى بحدّها الأدنى، حتى بالنسبة إلى توقيع المراسيم العادية، التي يُفترض أن يوقعها، وفق “الهرطقة الباسيلية”، بدلًا من رئيس الجمهورية جميع الوزراء. ويكفي إمتناع بعضهم عن التوقيع لعدم إكتمال دورة إصدارها، بما فيها مراسيم تسيير نفقات الدولة ومؤسساتها. وهذا يعني وقوع الدولة في شلل تام.
أمّا المنطق الدستوري السليم فيقول بأنه يكفي أن يوقع على المراسيم كل من رئيس الحكومة والوزير المعني ووزير المالية حتى تسير أمور الدولة في شكل طبيعي. أمّا عكس ذلك فيعني الفوضى والإمعان في ممارسة سياسة الإنهيار.
أمّا الخيار الآخر الذي قد يدفع باسيل رئيس الجمهورية للجوء إليه فهو تعيين رئيس حكومة آخر، خلافًا للدستور. وهذه المخالفة الدستورية والميثاقية، إن حصلت، ستعيد البلاد عشرات السنين إلى الوراء، وستدخلنا في دوامة جهنمية لن يكون الخروج منها سهلًا ابدًا، إن لم نقل مستحيلًا.
هذا بعضٌ مما يريده ” الناسك الزاهد “. وهذه عيّنة عّما يسعى إليه. وهذا نموذج عن”الفوضى” التي يبشرّنا بها.
وبعد كل هذا نعود إلى الإستمتاع بالعرض المدهش لفرقة “مياس”.