كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”:بات واضحا أن الشغور الرئاسي واقع لا محالة في ظل إستحالة التوافق على خلف للرئيس ميشال عون خلال الفترة الفاصلة عن إستحقاق 30/31 تشرين الأول المقبل، في وقت يبدو فيه تأليف الحكومة صعب المنال في ظل “العناد البرتقالي” الذي يحول دون موافقة عون على التشكيلة التي قدمها الرئيس ميقاتي إليه بعد يوم واحد من الاستشارات النيابية أي في 29 حزيران الفائت.
لم تنفع كل المحاولات لاقناع عون بالتشكيلة الحكومية طالما لم يقتنع بها جبران باسيل، بالرغم من تجاوب ميقاتي مع رئيس الجمهورية الى أبعد الحدود في ما يتعلق بالابقاء على وزير الطاقة وليد فياض، وفي تسمية الوزيرين السني والدرزي، حيث رفض في اللقاء الخامس مع ميقاتي إعطاءه الاسمين فتوقفت المساعي عند هذا الحد، بإنتظار أن يرمي الرئيس المكلف حجرا جديدا في البركة الحكومية الراكدة كما سبق وفعل مرات عدة، علما أن مساحة الوقت تضيق يوما بعد يوم.
في غضون ذلك، فرضت المعركة الرئاسية رفعا للسقوف السياسية التي ظهرت في أكثر من مناسبة، لا سيما خطاب جعجع الذي “سمى الجيرة وسمى الحيّ ولولا شوي سمّى نفسه”، حيث طرح المواصفات التي تأتي”حفر وتنزيل” عليه، وصعّب المهمة على كثير من المرشحين المفترضين برفع مستوى المواصفات لاحباطهم، لكنه، من دون أن يدري، سارع الى إستبعاد نفسه من السباق الرئاسي، فبغض النظر عن أن ليس لديه حليف يساعده على تحقيق طموحاته، فإن أحدا لا يمكن أن يقبل برئيس تحدٍ يقسّم اللبنانيين ويضع البلاد على فوهة بركان جديد، خصوصا أن البلد القائم على التوازنات الدقيقة لا يحتمل رئيسا فئويا من هذا النوع يكون أكثر من ثلثي الشعب اللبناني ضده، بل يريد رئيسا جامعا تكمن قوته بقدرته على محاورة كل الأطراف، للوصول الى القواسم المشتركة التي يمكن أن تنقذ البلاد، بدل “العنتريات” التي لا تقود إلا الى مشاريع حرب.
الطرح نفسه لكن في قالب آخر، يقدمه جبران باسيل الذي يخوض معركته الرئاسية من خلال تعطيل تشكيل الحكومة، حيث يدرك أن أحدا لا يمكن أن يدعم ترشيحه، حتى حليفه الوحيد الذي لديه توجهات أخرى بعيدة عن النظرة الضيقة التي تسيطر على بعض المرشحين، ما يجعله مقتنعا بأن الفرصة أمامه في الوقت الراهن معدومة.لذلك فإن إثارة الغبار، ورفع السقوف، ورمي السهام في كل إتجاه، وضرب الدستور وإستهداف حكومة تصريف الأعمال، والتهديد بالفوضى والنزول الى الشارع، كل ذلك يرى فيه باسيل فرصة تبقيه ضمن المعادلة السياسية، وتجدد حظوظه في إمكان الوصول الى الرئاسة من خلال تسوية ربما تتبع الفتنة الدستورية التي يسعى لاشعالها.وفي هذا السياق، قال سليمان فرنجية كلمته ومشى، فأعلن أنه مرشح وقام ببعض الزيارات المطلوبة، من دون أن يدخل في المواصفات أو في التحريض السياسي والطائفي، أو في إستهداف الآخرين، وهو آثر في ظل كل هذه الضجة أن يقود معركته بصمت، بعيدا عن أي إستفزاز بإنتظار ساعة الحسم.وعلى هذا الصعيد تطرح بكركي مواصفات رئاسية يرددها البطريرك بشارة الراعي في عظاته، لكنها لا تنطبق على أي من المرشحين المعلنين، ما يشير الى أن بكركي التي تستقبل يوميا عشرات الشخصيات من سياسيين ودبلوماسيين لديها بعض الأسماء التي تتحفظ على طرحها في الوقت الراهن خشية الاحتراق.في حين أن المواصفات التي طرحها النواب التغييريون كان لها وقع سيئ لدى الكثيرين الذين إعتبروا أن نواب الثورة طرحوا الشيء ونقيضه، حيث أرادوا إرضاء كل الأطراف السياسية في وقت واحد، ما أوقعهم في التناقض الذي يؤكد أن خبرتهم لم تكتمل بعد لقيادة مبادرة رئاسية من هذا النوع وفي ظل هذه الظروف الدقيقة.