في خطاباتِه العديدة خلال الشّهرين الأخيرين، آثرَ الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله عدم الإنغماس بشكل كبير وعميقٍ في ملف الانتخابات الرئاسيّة، في وقتٍ جدّد المطالبة أكثر من مرّة بتشكيلِ حكومة “جديّة وحقيقية وفاعلة”. وهنا، قد يظنّ البعض أنّ “حزب الله” يُراهن على حصولِ “فراغٍ رئاسي”، إلا أن الحقيقة تكمُن في مكانٍ آخر وترتبطُ بتحضير أرضية واضحة للاستحقاق المُنتظر.
عملياً، فإن الحزب يتحرّك اليوم وفق قاعدتين أساسيتين: الأولى وهي رصّ الصفوف بين الحلفاء، والثانيّة تشكيل جبهة واحدة تُشكل دعامةٍ لموقفه خلال الاستحقاق الرئاسي، وسيكون الأمرُ هنا مُرتبطاً بكتلٍ نيابية وازنة داخل مجلس النواب. إلا أنّه رغم كل ذلك، لم تصدر حتى الآن عن الحزبِ أيّ إشارات بشأن الشخصية التي قد يتبناها لرئاسة الجمهوريّة. وفعلياً، فإن هذا الأمرَ يزيدُ من ضبابية الموقف ويُعزز من فرضيات انقضاء الاستحقاق إلا إذا تم التوافقُ قريباً على شخصية مقبولة. وهنا، يُطرح التساؤل التالي: لماذا لم يحسم الحزب موقفه بشأن أي مرشح؟ ما الذي ينتظره، وهل فعلاً يضعُ انتخاب الرئيس في سلّم أولوياته ؟
حتى الآن، فإنه ما من جهةٍ سياسيّة بإمكانها حسم ما سيشهده ملف الرئاسة، وذلك لسببين: الأول ويرتبطُ بعدم وجود قرارٍ دولي واضح بهذا الشّأن، إذ تقول مصادر مُطلعة إنّ “مجمل الرسائل التي يحملها سفراء الدول الأساسيّة لم تتحدث بصراحة عن ضرورة إنجاز الإستحقاق الرئاسي، وإن قيل أمرٌ في هذا الصدد فسيُعتبر في إطار التمنيات الضعيفة لا أكثر ولا أقل”، وتضيف: “إذاً، الأمر يرتكز على قرارٍ داخلي بالدرجة الأولى لإنجاز الاستحقاق، مثلما حصل مع ملف الانتخابات النيابيّة التي أجريت في موعدها رغم ما قيل عن إمكانية تأجيلها”.
أما في ما خصّ السبب الثاني فيرتبطُ بعدم وضوح التوجّهات الخاصة لدى أي شخصية تعدّ مرشحاً طبيعياً للرئاسة، في حين أن الأقطاب الأساسيين ما زالوا بعيدين عن تأكيد نيتهم في الترشّح، وهذا أمرٌ يزيدُ من حدّة الضبابية ضمن المشهد القائم.
واستناداً إلى هذين الأمرين، يتحرّك “حزب الله” رئاسياً، إلا أن ما ينتظره أيضاً هو تبلور الصورة التي يُشكلها حليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري. وهنا، فإن الاستنتاجَ خلال المرحلة الحالية يكشف أنّ الأخيرَ يحتاجُ إلى المزيد من الإشارات ليبني موقفه الحاسم من أي شخصية قد يطرحها للرئاسة. مع هذا، فإنه وعلى الرّغم من أن الصورة الرئاسيّة قد لا تكون واضحة خلال الشهر الحالي، إلا أن برّي سيدعو لجلسة انتخاب لرئاسة المجلس، وبحسب معلومات “لبنان24″ فإنّ تلك الدعوة لن تكون قبل الأسبوع المقبل، وقد تصدر اعتباراً من 14 أيلول الجاري وصاعداً”. مع ذلك، فإنه ورغم إعلان تلك الدعوة، إلا أن ذلك لا يعتبرُ مؤشراً على نضوج أي طرحٍ رئاسي، وقد تكون الجلسة الأولى تجسيداً لأول جلسة رئاسية شكليّة عُقدت عام 2014 بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان.
وإضافة إلى كل ذلك، فإنّ “حزب الله” ما زال ينتظرُ تجمّع حلفائه ومعرفة التوجهات التي يريدون رسمها ليبني قراره الرئاسي. فمن جهة، يسعى الحزب إلى توطيد العلاقة بين رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل ورئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية من أجل الوصول لصيغة مشتركة تضمن اكتساب الرئاسة بقوة. في المقابل، فإن الحزب ما زال يتريث في أي طرحٍ لا يتقاطع ولو نسبياً مع حليفه المُستجد، رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط الذي وعلى ما يبدو، ما زال ينأى بنفسه عن التسميات الرئاسية.
بالنسبة للحزب، فإنّ وجود رئيسٍ للجمهورية سيُسهل كثيراً المسألة المتصلة بملف ترسيم الحدود البحرية، والذي يُعطيه “حزب الله” أهميّة كبرى في الوقت الرّاهن. إضافة إلى ذلك، فإن انتخاب رئيسٍ من نسيجٍ يتوافق مع نسيج الحزب إنّما يُساعد الأخير على تثبيت نفسهِ أكثر سياسياً ووجودياً. أمّا الأمر الأهم فهو أن انتفاء الفراغ سيُساعد في تعزيز الحلول المطلوبة أبرزها على صعيد ترسيم الحدود، وبالتالي سيتمكن الحزب من كسر الصورة النمطية حوله والتي تروّج على أنه المسؤول الأول عن الإنهيار.
خلاصة القول هو أنّ الحزب سيكونُ لاعباً أساسياً وبارزاً على صعيد المعركة الرئاسية، في حين أنه لن يُقاطع الجلسات النيابية المُرتبطة بها، وهذا القرارٌ شبه محسومٍ لديه. أما في ما خصّ طروحات الأسماء، فإن ما يُنتظر هو المباحثات التي تجري بين الحلفاء، وفي حال بروز إشاراتٍ إيجابية، عندها سيكونُ الحسم النهائي.