ما قصّر فيه رئيس “التيار الوطني الحر” نائب البترون جبران باسيل أكمله “رئيس جميع اللبنانيين” العماد ميشال عون، الذي قرّر، على ما يبدو، أن يلعب في آخر أيامه الرئاسية على “المكشوف”، تمهيدًا لعودته “المظفرّة” إلى مواقف ما قبل الرئاسة.
ما قاله الرئيس عون في حديثه إلى “الجمهورية” يفسّر ما لم يشاء أن يفصح عنه الرئيس نبيه بري عندما وصف لقاء بعبدا الخامس مع الرئيس المكّلف نجيب ميقاتي بأنه كان “الأسوأ”.
بالتأكيد أن ما سمعه الرئيس ميقاتي من “فخامته” في هذا الأربعاء أكثر بكثير مما قاله في حديثه الصحافي، الذي جزم فيه “ان مثل هذه الحكومة (حكومة تصريف الأعمال) غير مؤهلة لتسلّم صلاحياتي بعد انتهاء ولايتي، وانا اعتبر انها لا تملك الشرعية الوطنية للحلول مكان رئيس الجمهورية، ولذلك ما لم يُنتخب رئيس للجمهورية أو تتألف حكومة قبل 31 تشرين الأول المقبل، وإذا أصرّوا على ان “يزركوني”، فإنّ هناك علامة استفهام تحيط بخطوتي التالية وبالقرار الذي سأتخذه عندها”.
وقبل أن نصل في حديث “فخامته” إلى ما هو أدهى يمتلكنا الفضول لمعرفة الخطوة التالية، التي يمكن أن يتخذها. هل تكون بإعادة عقارب الساعات عشرات السنين إلى الوراء، وهي التي يقول عنها اللبنانيون “تنذكر وما تنعاد”؟ وهل سيقدم على مخالفة الدستور بخطوة غير دستورية ومخالفة لما نصّ عليه “الطائف”، الذي يريد باسيل تغييره تحت مسمى “تطويره”؟ هل سيُسقط تكليف الرئيس المكّلف، أم سيسمّي رئيسًا “رديفًا”، وقد أصبح هذا الإجراء شائعًا هذه الأيام؟ فإذا لم يكتشف الرئيس عون على مدى الأشهر الأخيرة، التي كان فيها الرئيس ميقاتي رئيسًا لحكومة “معًا للإنقاذ”، مدى حرص الرجل على العمل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وبإقل أضرار ممكنة، في محاولة منه لـ”تجميل” صورة العهد، التي تشوهّت بفعل ما ما نتج من سوء إدارة للأزمة من كوارث إقتصادية ومالية وإجتماعية ومعيشية.
ولا يكتفي “فخامته” بهذا القدر، بل يزيد على طينه بلّة، إذ يبدي ارتيابه في أسباب عدم تشكيل حكومة أصيلة حتى الآن، قائلاً: “لديّ شعور بأن العرقلة متعمّدة، لكي يضع الرئيس ميقاتي ومن معه وخلفه ايديهم على البلد عبر حكومة تصريف أعمال لا تتوافر فيها شروط الحلول مكان رئيس الجمهورية، واذا نشأ مثل هذا الوضع النافر فأنا لن أرضخ له وسأواجهه”. ويحذّر: “انهم يعبثون بالتوازنات الدقيقة التي تميز هذا البلد، وكأنه لا يكفي ما فعلوه خلال العهد حتى يريدون اللحاق بي الى منزلي واستكمال الحرب ضدي، لكنني لن اسمح بفرض الأمر الواقع علي، سواء كنت في بعبدا ام في الرابية”.
ويؤكد عون انه “جاهز للتعاون من أجل تأليف الحكومة اليوم قبل الغد، وانا صاحب المصلحة الأكبر في ولادتها لأنني اريد ان أطمئِن الى انّ الفراغ، اذا وقع، سيُملأ بالطريقة المناسبة، انما لا أقبل أيضاً بأي حكومة كانت، لأنه ربما تنتظرها تحديات ومسؤوليات جسام، يجب أن تمتلك القدرة والتغطية اللازمتين للتصدي لها”.
نسمح لأنفسنا بأن نقول أن في حديث “فخامته” بعض المغالطات، وأولها أن الحديث عن الفراغ يجب أن يكون “أبغض الحلال”، وليس “خيارًا، وبالتالي فإن من مسؤولية “فخامته” أن يعمل هو وفريقه السياسي وحلفاؤه على الحؤول دون الوصول إلى مثل الفراغ، الذي سبق إنتخابه عندما أصرّ “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” على تعطيل نصاب الجلسات الممتالية، التي كان يدعو إليها الرئيس بري على مدى سنتين ونيّف ما لم يتمّ التوافق على إنتخاب عون رئيسًا.
فإنتخاب رئيس جديد يجب أن تكون أولوية لدى “فخامة الرئيس” أولًا، ولدى جميع القوى السياسية الأخرى ثانيًا. فلا يُعطَّل نصاب الجلسة الإنتخابية وليفز من يحصل على ثلثي أصوات المجلس النيابي في الجلسة الأولى، وعلى النصف زائد واحد في الجلسة الثانية.
وبعد إنتخاب الرئيس الجديد وأداء قسمه الدستوري وتسّلمه مقاليد السلطة وفق الأصول يدعو إلى إستشارات نيابية ملزمة لتسمية الرئيس العتيد لأول حكومة العهد الجديد.
المحيطون بالرئيس ميقاتي يؤكدون أنه المستفيد الأول من أن يكون للبنان رئيس جديد بعد 31 تشرين الأول المقبل، وأن من مصلحته ألا يقع الفراغ، وألا تتسلم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية، لأن “التركة” ثقيلة، وأن المسؤولية كبيرة جدًّا، خصوصًا أن “التيار الوطني الحر” سيلجأ إلى كل الأساليب المتاحة لتعطيل عمل “حكومة الصلاحيات الرئاسية”.
فالرئيس ميقاتي هو المستفيد الأول من تشكيل حكومة أصيلة أولًا، ومن إنتخاب رئيس جديد للجمهورية ثانيًا، وعدم وقوع البلاد في الفراغ ثالثًا، وفق التراتبية الزمنية. وهو ابعد ما يكون عمّا قاله “فخامة الرئيس” من أنه يعبث بالتوازنات، ومن أنه يسعى إلى وضع يده على البلد من خلال حكومة تصريف الأعمال. راجعوا التاريخ وأحكموا.