برسم المحيطين بالعهد… لا ترقصوا على حافة الفراغ

11 سبتمبر 2022
برسم المحيطين بالعهد… لا ترقصوا على حافة الفراغ


كلما إقتربنا من تاريخ 31 تشرين الأول كلما دخلنا في مرحلة التعثر السياسي أكثر فأكثر على وقع تصعيد تدريجي وممنهج في المواقف يُخشى أن يستفيد منها بعض المصطادين في المياه العكرة لتفجير الوضع في الشارع، على رغم تأكيد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أن الوضع الأمني في البلاد “كتير منيح”.
وهذا التعثّر بدا واضحًا وجليًّا من خلال سلسلة الأحاديث المتتالية لكل من الرئيس ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” نائب البترون جبران باسيل وفريقه السياسي، ووسط التباين الواضح في كيفية مقاربة إشكالية تشكيل الحكومة، مع إصرار رئيس الجمهورية على شرط حصوله على الثلث المعطّل في أي حكومة ستشكّل، ورفض واضح وصريح من قبل الرئيس المكّلف نجيب ميقاتي بضم ستة وزراء دولة من السياسيين إلى الصيغة الميقاتية المقترحة كحلّ لا بدّ منه للخروج من شرنقة المآسي اليومية.
ومن ضمن ما يحضّره “التيار الوطني”، بإشراف مباشر من رئيسه، خطة تحرك سياسية وقانونية وشعبية، رفضا للإعتراف بشرعية حكومة تصريف الأعمال بعد انتهاء ولاية عون، تحت شعار رفض وضع اليد على صلاحيات الرئيس المسيحي، ورفضًا لما يعتبره “التيار” إخلالًا بالتوازنات الطائفية في البلد، في حين أن الدستور واضح وضوح الشمس ولا يحتاج إلى أي تفسير أو إجتهاد عندما نصت المادة 62 منه على إيكال صلاحيات رئيس الجمهورية إلى الحكومة في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة. 
ولذلك، فإنه من المنطقي ألا يعمّم الفراغ عند تعذّر إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، فتوكل الصلاحيات الرئاسية تلقائيًا وعفوًا إلى أي حكومة، سواء تلك الموجودة حاليًا، وهي تصرّف الأعمال بحكم الإستمرارية في تسيير المرافق العامة، أو الحكومة التي يمكن التوافق عليها، وتكون كاملة المواصفات والمعايير.
ثمة اجتهادات دستورية كثيرة تؤكد أن لا مانع قانونيا من إنتقال الصلاحيات الرئاسية إلى حكومة تصريف الأعمال، إستنادًا إلى ما نصّت عليه المادة 62 من الدستور، وبالتالي لا يمكن التسليم بمنطق أن الحكومة غير مكتملة المواصفات. ونسأل مع السائلين: إذا وصلنا إلى 31 تشرين الأول ولم نتمكّن من تشكيل حكومة على ذوق باسيل، بإعتبار أنه يريد أن يملأ الفراغ الذي أوقع نفسه به من خلال حكومة يتحكّم بمفاصلها الأساسية، هل نسلّم البلاد إلى الفراغ الكامل، أم نسعى إلى التقليل من أضرار هذا الفراغ من خلال حكومة، حتى ولو كانت تصرّف الأعمال؟
ووفقًا لهذا المنطق، وإذا راجعنا المسارات الحكومية في آخر ست سنوات يتبيّن لنا أن نصف عهد ميشال عون إنقضى في ظل حكومات تصريف أعمال. إلاّ أن هذا الإجتهاد المنطقي والعملي لا يبرّر أبدًا عدم السعي الجدّي، الذي لا يزال يقوم به الرئيس المكّلف لتشكيل حكومة وفق ما تقتضيه الظروف التي يعيشها لبنان، وليس وفق بعض المصالح الشخصية، التي باتت معروفة ومكشوفة للقاصي والداني.
فإذا أردتم حقيقةً عدم دخول البلاد في الفراغ سهّلوا عملية إنتخاب رئيس جديد للبلاد في موعدها الدستوري، وأقرنوا أقوالكم بالأفعال. لا تجعلوا اللبنانيين فريسة هواجسهم. فما فعلتم بهم حتى الآن كافٍ حتى يخرجكم من التاريخ، ومن حساباتهم ومن قواميسهم عندما يتحدّثون عن العهود الماضية، وعن إنجازات رجال الدولة، التي لا يزالون يتغنّون بإنجازاتهم على رغم مرور عشرات من السنين. ويكفي أن يُقال إن لبنان في حاجة ماسّة اليوم إلى رئيس للجمهورية يكون تكرارًا لتجربة الرئيس فؤاد شهاب، وهو أول من أتى إلى الرئاسة من رحم المؤسسة العسكرية.