كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: ما تزال طرابلس تعيش على وقع صدمة عملية السطو الاجرامية على محل لبيع الهواتف الخليوية والتي ذهب ضحيتها ثلاثة مواطنين ابرياء إضافة الى أحد المهاجمين، خصوصا أن المدينة لم تعتد على عمليات دموية من هذا النوع بعيدة كل البعد عن عادات وتقاليد واخلاق ابناء الفيحاء الذين وجدوا أنفسهم تحت المجهر الامني مجددا بفعل مجزرة لم تكن متوقعة.
وضعت مديرية المخابرات في الجيش يدها على هذه الجريمة وباشرت تحقيقاتها ومداهماتها التي أسفرت عن توقيفات لمتورطين قد يملكون معلومات من شأنها ان تفيد التحقيق وان تكشف بعض الخفايا لهذه الجريمة الغامضة، والتي بات الجميع على قناعة بأن هدفها السطو والسرقة. أما الخلفيات سواء كانت تشبيح او ثأر أو غير ذلك فتنتظر جلاء الحقيقة بعد انتهاء التحقيقات وكشف كل الملابسات.
قد يكون ما حصل في طرابلس جريمة عادية بحصيلة كبيرة تماما كما يحصل على مدار ساعات الليل والنهار في أكثرية المناطق اللبنانية، لكنها سلطت الاضواء على كثير من التوترات التي تشهدها المدينة منذ فترة، بحيث باتت الاشكالات المسلحة خبزا يوميا، واطلاق النار في المناسبات الاجتماعية أمرًا طبيعيا، فضلا عن عمليات السطو والتشليح بقوة السلاح الحربي أو الابيض، وسرقة السيارات والدراجات النارية، وفرض الخوات وأعمال التشبيح في بعض المناطق.
ليس ذلك حكرا على طرابلس فحسب بل بات ينسحب على كل المناطق بدون استثناء وبنسب متفاوتة، مع التأكيد أن نسبة الجرائم المنظمة ما تزال الادنى في طرابلس في مقابل المناطق الاخرى، لكن هذا الفلتان اللبناني الافقي بات يغري الكثيرين بفعل ضعف قدرات القوى الامنية بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية، وغياب السلطة القضائية بسبب تدني رواتب القضاة وتحكم السياسة بكثير من مفاصلها، وانعدام سلطة الدولة عموما وفقدان هيبتها. كل ذلك، يشجع على الجريمة وعلى مخالفة القوانين والخروج من تحت سلطة الدولة، وإقامة مناطق نفوذ يسيطر عليها الشبيحة الذين يرتبط كثير منهم ببعض الاجهزة الامنية، ما يجعل تشبيحهم على المواطنين بغطاء شرعي.
ما يثير المخاوف هو أن الفلتان يتطور في طرابلس لا سيما على سبيل استسهال اطلاق النار سواء في الاشكالات او في المناسبات من دون رقيب امني او حسيب قضائي، ولا شك فإن ذلك قد يغري بعض المجموعات المسلحة التي قد تجد الفرصة مؤاتية ومعطوفة على الوضع الاقتصادي والازمة الاجتماعية لتنفيذ بعض الاجندات الغريبة عن واقع المدينة، وهو أمر لم يعد بعيدا في ظل التطور الدراماتيكي للتوترات التي باتت تنذر بما لا يحمد عقباه.
وحتى لا يكون الآتي أعظم في طرابلس، على الجميع بدون استثناء أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه مدينتهم للحفاظ على أمنها وحمايتها من بعض المخططات الجهنمية التي قد تجد من التوترات المتلاحقة سبيلا الى المدينة، ما يتطلب خطوات استباقية على مستوى مجتمع طرابلس تتمثل بعقد لقاء ديني، سياسي، أمني، إجتماعي، اقتصادي ونقابي يخرج بجملة ثوابت للحفاظ على أمن المدينة وسلامة أبنائها ولرفع الغطاء السياسي والامني عن أي متجاوز للقوانين وللضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه العبث بأمن طرابلس أو تشويه صورتها التي تجلت بأبهى حلة خلال الاسابيع الماضية من خلال الحملة السياحية المجانية التي استقطبت الالاف من الزوار والسياح في ربوع الفيحاء.