من إستمع إلى الرئيس نجيب ميقاتي في ردّه على ما جاء على لسان عدد من النواب، الذي تكّلموا في جلسات درس الموازنة العامة لعام 2022، لم يسعه إلاّ أن يتوقّف عند ما يعانيه الرجل في تحمّل أكبر مسؤولية في تاريخ لبنان، في محاولات منه لإبقاء الوضع المهترىء، أقّله على ما هو عليه، بدلًا من ترك الأمور تنحرف على غاربها إلى أمكنة لا يعرف أحد أين هي حدودها، إن لم نقل إنه يسعى إلى أكثر من ذلك، إذ أن “فرملة” التدهور شيء أساسي، ولكن المطلوب بالتوازي العمل للخروج من عنق زجاجة الأزمات الإقتصادية المتفاقمة، وهذا ما يقوم به، في الداخل وفي الخارج.
بـ”حرقة قلب” تكلم الرئيس ميقاتي، وهو الذي يعرف “البير وغطاه”، وهو الذي تصادفه مع كل إشراقة شمس ألف مشكلة ومشكلة، وهو الذي يعرف تمام المعرفة “أن العين بصيرة واليد قصيرة”، وهو الذي يعرف أن النفقات أكثر بكثير من الواردات، وهو الذي يعرف أيضًا أن هذه الموازنة ليست الموازنة الكاملة والمتكاملة، والتي لا تشوبها أي شائبة، وهو الذي يعرف مدى حاجة الناس إلى الدواء، وإلى الرغيف، وإلى الكهرباء، وإلى المياه، وإلى إسترداد أموالهم المودعة في المصارف. ويعرف أيضًا وأيضًا أن راتب العسكري أو الشرطي لا يكفيه ثمن دواء واحد.
يعرف كل هذا، ولكن ما في اليد حيلة مع بلد تنهار مؤسساته الواحدة تلو الأخرى. يعرف أن الوضع الإقتصادي لم يعد يُطاق. ويدرك أن الذين يركبون أمواج الخطر على سفن الموت لم يعد في قدرتهم العيش في وطن لا مستقبل فيه لأولادهم. ما يعرفه الرئيس ميقاتي يعرفه أيضًا جميع المسؤولين في هذا البلد المنهار، ومن بينهم نواب الأمة، ولكن بين المعرفة والإمكانات فرقًا شاسعًا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى من يرى الظلام ويكتفي بلعن العتمة، ومن يرى الظلام ذاته، ولكنه يحاول أن يضيء، على ألأقل، شمعة واحدة حتى يتمكّن الذين يسيرون في هذه الظلمة الدامسة رؤية طريقهم من على مسافة قصيرة، خوفًا من الوقوع في حفر غير مرتقبة. تكّلم الرئيس ميقاتي بـ”قلب محروق”. إنفعل وكاد ينفجر لشدّة تأثّره، خصوصًا عندما أشار إلى هذا الدركي الذي لا يزال يقوم بمهامه على أكمل وجه، وهو بالكاد يستطيع أن يؤّمن ربطة خبز لعياله.
لم يقفل الباب في وجه النواب. لم يقل لهم إن هذه الموازنة هي أفضل الممكن، وهي كذلك في ظل هذه الظروف الصعبة، بل مدّ يد التعاون، وأبدى إستعدادًا كاملًا لتعديل ما يجب أن يعدّل، أو ما يراه النواب أكثر ملاءمة مع الواقع. قال إن السقف إن سقط فسيسقط على الجميع، ولن يبقى تحته أي شيء. ذهب إلى ابعد ما طالب به النواب. هو على إستعداد إلى الجلوس مع حكومته إلى طاولة واحدة مع من يشاء من النواب لتخصيص يوم كامل، وعلى مدى أسابيع، في محاولة منهم جميعًا لإيجاد حلول ممكنة للأزمات المتراكمة والمتزايدة يومًا بعد يوم. فالمسؤولية جماعية، وليست مسؤولية فئة دون أخرى، أو مسؤولية السلطة التنفيذية وحدها دون السلطة التشريعية.