على أحد الجدران خُطت عبارة “كي لا ننسى 16 سبتمبر 1982 ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا”. قديمة هي العبارة في ذلك المكان، لكن ذكرى المذبحة التي لم يُعاقب فاعلوها حاضرة دومًا، تفوق أهوالها القدرة على النسيان.
يقع كل من مخيم صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين غربي بيروت، والثاني أسّسته اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 1949، لإيواء عدد كبير من الفلسطينيين الذين هُجروا بعد النكبة.
بمضي 40 عامًا على المجزرة التي ارتُكبت بحق العزّل وراح ضحيتها حوالي 3000 شهيد معظمهم من الفلسطينيين، تكاد صيحات الأطفال وصرخات النساء تُسمع في زحام مخيمَي صبرا وشاتيلا.
فأهوال ثلاثة أيام من الإبادة تظهر على ملامح الناجين؛ وقد تركت ندوبًا في الأرواح، إذ إن آثار الفجيعة لا تفارق وجوههم.
مجزرة صبرا وشاتيلا
الوجود الفلسطيني في لبنان
وقت المجزرة، دخل الوجود الفلسطيني في لبنان وقضية فلسطين في رهانات كبيرة على الساحة السياسية الإقليمية والداخلية.
كان فلسطينيون لاجئون قد استقروا في لبنان في أعقاب قيام دولة الاحتلال خلال صيف عام 1948، حيث تم طرد حوالي 110.000 فلسطيني من الجليل وعبروا الحدود إلى لبنان.
وأقامت منظمة التحرير الفلسطينية في السبعينيات مقراً لها في لبنان بعد إخراج قادتها وكوادرها من الأردن عقب أحداث أيلول، وكانت المنظمة مسؤولة عن حوالي 340.000 فلسطيني، قدمت خدمات اجتماعية وبنى تحتية أساسية وبنت مؤسسات في مجالات مختلفة “اقتصادية وثقافية واجتماعية وسياسية”.
في الوقت نفسه، طور ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للمنظمة، جهازًا عسكريًا لقيادة الكفاح المسلح ضد جيش الاحتلال من آلاف المقاتلين الفلسطينيين “الفدائيين” الذين تم إيواؤهم وتدريبهم في مخيمات اللاجئين، حيث كانت المخيمات تحت السيطرة الحصرية للشرطة العسكرية الفلسطينية، بموجب اتفاق وقع عليه ياسر عرفات وقائد الجيش اللبناني عام 1969، وفي هذا السياق، أصبحت المخيمات رمزا للمقاومة الفلسطينية.
في عام 1975، اندلعت حرب أهلية في لبنان بين معسكرين: “المحافظون المسيحيون” و “التقدميون الإسلاميون” المجموعة الأولى ضمت بشكل رئيسي المسيحيين “الموارنة على وجه الخصوص” وشكلت “كتلة حول الرئاسة للحفاظ على النظام التقليدي” عرفت باسم الكتائب، وأسسها بيار الجميل عام 1936، أما المجموعة الثانية، تشكلت من “تحالف غير متجانس مع ثلاثة محاور – يساري، مسلم، وفلسطيني”.
في عام 1976، دخلت القوات المسلحة السورية إلى لبنان بزعم وقف الاقتتال الأهلي، لكنها لعبت دورا داعما لطرف تجاه الآخر، بالتزامن مع دعم “إسرائيل” للمسيحيين في نفس الوقت تقريبًا.
تم الاتفاق على أن “إسرائيل” ستساعد المسيحيين إذا أصبح وجودهم في خطر.
وكانت الكتائب ترى في عدد اللاجئين الفلسطينيين، ومعظمهم من المسلمين، تهديدا للتوازن الديموغرافي بين المسيحيين والمسلمين في البلاد، كما كانوا يخشون أن يؤدي ذلك إلى إضعاف مكانتهم في اللعبة السياسية.
في آذار 1978، غزت قوات الجيش الإسرائيلي، جنوب لبنان وصولا إلى نهر الليطاني، إلا أن الاحتجاجات الدولية أجبرت جيش الاحتلال الإسرائيلي على الانسحاب في تموز/ يوليو. الذي قرر بعد ذلك إنشاء ميليشيات في المناطق الحدودية اللبنانية، وتم تشكيل جيش لبنان الحر من الفارين من الجيش اللبناني بقيادة سعد حداد، كان الغرض منه حماية الحدود الشمالية للكيان المحتل من أي عمليات فدائية فلسطينية.
في السادس من حزيران / يونيو 1982، غزا الجيش الإسرائيلي لبنان للمرة الثانية، طوقت القوات الغازية بيروت الغربية حيث أقامت منظمة التحرير الفلسطينية مقرها، والتقت بقوات الكتائب المنتشرة في الجزء الشرقي من المدينة،
هذه العملية العسكرية، التي أطلق عليها اسم “سلام الجليل”، هدفت رسمياً إلى ضمان أمن سكان شمال الكيان المحتل.
قُصفت بيروت بالطائرات والدبابات والمدفعية وحوصرت لأشهر عديدة ما دفع جميع الأطراف الدخول في مفاوضات بهدف التحضير لانسحاب منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان.
وأجرى المفاوضات المبعوث الأمريكي فيليب حبيب مع متحدثين باسم الجانب الفلسطيني، حيث لم تكن الولايات المتحدة تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية.
وتم الاتفاق في منتصف آب / أغسطس على مبدأ إخلاء المقاتلين الفلسطينيين ومسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية وتفكيك مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية والبنى التحتية، ووضعت “خارطة طريق حبيب” عملية الإخلاء تحت إشراف قوة متعددة الجنسيات شكلتها بعض القوات الإيطالية والفرنسية والأمريكية، وكان من المقرر أن تبقى في ساحة المعركة خلال ثلاثين يومًا من تاريخ وصولهم، وضمان الأمن للمدنيين الفلسطينيين الذين سيبقون في المخيمات بعد رحيل منظمة التحرير الفلسطينية، على اعتبار أن ياسر عرفات كانت لديه مخاوف من الانتقام من الفلسطينيين.
تم الإخلاء في الفترة من 21 آب /أغسطس إلى 1 أيلول/ سبتمبر 1982 وتبع عملية الإخلاء انسحاب القوة متعددة الجنسيات، والذي جاء في وقت أقرب مما هو مقرر.
انتخب مجلس النواب اللبناني رئيساً لبنانياً جديداً في أعقاب إخلاء منظمة التحرير الفلسطينية، وهو زعيم الكتائب بشير الجميل في 23 آب/ أغسطس.
وقبل تنصيبه رئيسا للبنان قتل بشير الجميل ومعه 20 من قوات الكتائب في عملية اغتيال بتاريخ 14 من أيلول / سبتمبر ، بعبوة ناسفة زنة 200 كغم من مادة TNT المتفجرة، وأعطى هذا الاغتيال السياسي للحكومة الإسرائيلية فرصة لإدانة الفلسطينيين، وحجة لدخول بيروت الغربية، وتنفيذ مجزرة صبرا وشاتيلا بعد يومين.
المحرضون والجناة
في وقت المجزرة، كان مخيما صبرا وشاتيلا تحت السيطرة العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، بعد فترة وجيزة من إعلان وفاة الجميل وفي تناقض مع “خارطة طريق حبيب”، قرر كل من بيغن وشارون دخول بيروت الغربية، حيث بدأ الغزو يوم الأربعاء في الخامس عشر من صباح اليوم الباكر بقصف بالدبابات وزوارق حربية، ووصل شارون إلى الميدان الساعة 9:00 للإشراف على العملية.
بحلول الساعة 12:00 ظهر يوم الخميس 16 سبتمبر، أعلن عن سيطرة الجيش على المدينة، وكان المقر الرئيسي للجيش الإسرائيلي يقع عند دوار المرور بالسفارة الكويتية بالقرب من مخيمي صبرا وشاتيلا، وحاصرت الدبابات الإسرائيلية المخيمات، وأغلقت المداخل الرئيسية بالحواجز.
ادعى رئيس حكومة الاحتلال ووزير حربه وكبار القادة العسكريين أنهم دخلوا بيروت من أجل منع العنف والمذابح، في رأيهم أن موت الجميل قد يسبب الفوضى، أما ياسر عرفات، فقد كرر خوفه على مصير المدنيين الفلسطينيين الذين بقوا في لبنان بعد رحيل منظمة التحرير الفلسطينية.
دخلت الكتائب مخيمات صبرا وشاتيلا بعد ظهر يوم الخميس 16 أيلول وبحسب العديد من المصادر، فإن دخولهم تم بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي.
بعد ظهر يوم 16 أيلول / سبتمبر، عُقدت اجتماعات بين الكتائب والقيادة العسكرية لجيش الاحتلال،ودخلت وحدة الكتائب الأولى “حوالي 150 رجلاً” إلى المخيمات وعلى رأسها إيلي حبيقة القيادي في مليشيات الكتائب.
بدأ القتل فور دخول الكتائب، بحسب إفادات السكان، حيث انقطعت الكهرباء منذ نهاية فترة ما بعد الظهر، ودخل رجال الميليشيا إلى المنازل، وأطلقوا النار على الناس، وذبحوهم بالسكاكين والفؤوس، واغتصبوا النساء والفتيات، بدأ اللاجئون المصابون في الوصول إلى مستشفى غزة شمال صبرا طالبين الحماية من الفرق الطبية.
في صباح يوم الجمعة 17 أيلول، دخلت وحدات الكتائب الجديدة في ذروة الهجوم، كان عدد رجال الميليشيا حوالي 400 فرد، واستمر القتل طوال اليوم حيث نفذوا محاكمات قررت الإعدام بإجراءات موجزة، وهدم المنازل، ونهب البضائع الخاصة مثل النقود أو المجوهرات، كانت الجثث ملقاة في الشوارع، متروكة تحت الأنقاض أو جرفت في مقابر جماعية، ورأى شهود عيان العديد من السكان يتكدسون في شاحنات ويخرجون من المخيمات إلى وجهات مجهولة، لا أحد يعرف ماذا حل بهم، إنهم “المفقودون” من مذبحة صبرا وشاتيلا.
وصلت الأنباء الأولى عن المجزرة للصحفيين من اللاجئين الفارّين، في وقت مبكر من صباح يوم السبت الثامن عشر، أمرت الكتائب سكان المخيمات بواسطة مكبرات الصوت بالاستسلام، قاموا بجمعهم في الخارج، وفصلوا اللبنانيين عن الفلسطينيين، والرجال عن النساء، وأعدموا بعضهم، وأطلقوا سراح البعض الآخر، وألقوا ببعضهم داخل شاحنات وأجبروا غالبية الرجال على دخول ملعب المدينة الرياضية، حيث استجوبهم ضباط الجيش الإسرائيلي والكتائب.
في غضون ذلك، توجهت مجموعة من رجال المليشيات إلى مستشفى غزة، وطلبت من الفريق الطبي الأجنبي مغادرة المبنى، وقتلت العناصر العربية.
غادر الكتائب مخيمات صبرا وشاتيلا، وسيطر الجيش اللبناني على المخيمات في اليوم التالي الأحد 19 أيلول /سبتمبر.
لاجئة فلسطينية من صبرا وشاتيلا تبكي ضحايا المجزرة – بيروت 1982
ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا
العدد الدقيق لضحايا مذبحة صبرا وشاتيلا ليس معروفًا ولم يتم تحديده أبدًا، وتفاوتت التقديرات على نطاق واسع بين 700 و 3500، وقد ادعى الجيش الإسرائيلي أن العدد أقل من ذلك وأنه كان (بين 700 و 800 ضحية) واعتمدته لجنة التحقيق الإسرائيلية.
نشرت السلطات اللبنانية أرقاما أعلى في منتصف تشرين الأول 1982 وبحسب مصادر رسمية، بلغ عدد الشهداء ألفي شخص موزعين على النحو التالي: 762 جثة تم التعرف عليها من قبل الجيش اللبناني أو الصليب الأحمر، في حين تم دفن 1200 جثة أخرى، دفنتهم العائلات بمبادرة منهم وتم تسجيلهم لدى الصليب الأحمر.
قامت المؤرخة اللبنانية بيان الحوت بعمل ميداني بين عامي 1982 و 1984 على الضحايا في صبرا وشاتيلا، وحددت 1390 حالة: 906 قتلى و 484 “مفقودين”.
أمنون كابليوك، صحفي إسرائيلي، عمل على إعادة تشكيل الأحداث بعد وقت قصير من المذبحة، استند في تحقيقه الشخصي إلى مصادر أولية، مثل الشهادات، وأرشيفات جيش الاحتلال وتصريحاته، والتقارير الصحفية، والأدلة التي جمعتها لجنة التحقيق الإسرائيلية، وما إلى ذلك، ونشر نتائج بحثه في عام 1982: “صبرا وشاتيلا، التحقيق في المذبحة” والتي أصبحت كتابًا مرجعيًا.
في رأي كابليوك، بلغ عدد الضحايا 3000 – 3500، وأن 2000 حالة وفاة مدرجة رسميًا ومعترف بها من قبل السلطات اللبنانية .
ثلاثة أنواع أخرى من الضحايا:
- من دفنوا في مقابر جماعية تم حفرها من قبل المهاجمين ولم يتم رفع جثثهم.
- من مات تحت أنقاض بيوتهم.
- “المفقودون” الذين أُخذوا أحياء إلى جهات مجهولة ولم يعودوا قط، وبحسب الصليب الأحمر، بلغ عدد “المفقودين” 359 خلال الفترة ما بين 18 و 20 سبتمبر.
ملامح ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا
أولاً، عدد كبير منهم من المدنيين وخاصة أن المجزرة وقعت على أطراف بيروت داخل مخيمات اللاجئين المكتظة بالسكان ومعظمها مناطق سكنية، علاوة على ذلك، حدثت المذبحة بعد أسبوع من رحيل غالبية مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية،
ورغم ادعاء الإسرائيليين بأن بعض المقاتلين بقوا في المعسكرات، إلا أنه لم يتم تقديم دليل واضح على ذلك، وفي حين أن الحصار الذي دام ثلاثة أشهر لم يجبر المقاومة الفلسطينية على إلقاء سلاحها، فقد احتاج الجيش الإسرائيلي إلى يوم واحد فقط للسيطرة على بيروت بعد رحيل منظمة التحرير الفلسطينية.
ثانياً: كان الذكور هم غالبية ضحايا المجزرة، على الرغم من أن المجزرة طالت نساء وكبار السن والأطفال من بين الضحايا، حيث تم تفتيش الرجال ووعرضهم في صفوف و إعدامهم بشكل منهجي.
ثالثًا: معظم الضحايا هم من لاجئي 1948 الذين يعيشون في مخيمي صبرا وشاتيلا، وكان بعض القتلى لبنانيين، وكان الضحايا اللبنانيون قد شاركوا حياتهم مع رجل أو امرأة فلسطينية واستقروا في المخيمات أو كانوا في زيارة أقاربهم أو فروا من جنوب لبنان الذي تعرض للقصف ولجأوا إلى ضواحي بيروت، كما تم إحصاء عدد قليل من العمال الأجانب من بين الضحايا، بحسب الهلال الأحمر الفلسطيني والسلطات اللبنانية.
رابعا: قتلى مذبحة صبرا وشاتيلا كانوا فقراء، جاءوا من الطبقة الدنيا التي استقرت في بيروت، واللبنانيون الذين قدموا من الجنوب تركوا أرضهم وراءهم وأجبروا على العمل كعمال غير مهرة في بيروت،
بموجب القانون، لا يُسمح للفلسطينيين في لبنان بممارسة عدد كبير من المهن، مثل طبيب، ومحام، وموظف حكومي، وما إلى ذلك، وبالتالي لا يمكنهم الحصول على راتب لائق ويعتمدون مالياً على المنظمات الدولية وتحويلات الشتات.
خامسًا، معظم ضحايا المجزرة من المسلمين، حتى لو قُتل أثناء المذبحة بعض المسيحيين اللبنانيين “مدنيون أو رجال ميليشيات” كان القتلى المسلمون من السنة، تماشياً مع الخصائص العامة للسكان الفلسطينيين حيث أن معظم الفلسطينيين يتبعون الإسلام السني، لكن اللبنانيين من الجنوب كانوا شيعة.
وساهم العنف الذي تعرض له أجساد البشر كما شهده بعض الصحفيين وبثته وكالات الأنباء بعد المجزرة، في تمييز مذبحة صبرا وشاتيلا عن المذابح الأخرى التي حدثت خلال الحرب الأهلية،
بعد مجزرة صبرا وشاتيلا
في لبنان، بعد المجزرة، اتهمت السلطات السياسية جنود حداد “حليف إسرائيل التقليدي” بالمسؤولية عنها، كما اتهمت الحكومة الإسرائيلية بالتواطؤ، لأن مداخل المخيمات كانت تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، لكن السلطات لم تلم الكتائب قط على أفعالهم في المعسكرات، علاوة على ذلك، تم تبرئة الميليشيا المسيحية من أي نوع من المسؤولية من قبل جميع الأحزاب السياسية، حتى اليسارية منها.
يمكن تفسير الإجماع اللبناني المفاجئ بالأولوية التي أعطيت لـ “المصالحة الوطنية” في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي وحصار بيروت، وقد اصطفت الأطراف اللبنانية خلف رئيسهم الجديد أمين الجميل “شقيق البشير” لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان.
أما بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، فقد اعتبروا الحكومة الإسرائيلية المحرض الرئيسي على مجزرة صبرا وشاتيلا. واتهموا بشكل خاص أ. شارون المشتبه في أنه خطط لطردهم. وسمي شارون منذ ذلك الوقت “جزار صبرا وشاتيلا”.
لجان تحقيق دولية ولبنانية وإسرائيلية
مسألة ما إذا كانت القوات الإسرائيلية قد تورطت، بشكل مباشر أو غير مباشر، في المذبحة التي قيل أن الكتائب قد نفذتها،لا تزال تقسم مجتمعات الخبراء القانونيين والباحثين حول من يحمل المسؤولية، كما حاولت عدة جهات أن تصف من الناحية القانونية ما حدث في مخيمي صبرا وشاتيلا.
على الصعيد الدولي، “أدان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فوراً المجزرة الإجرامية بحق المدنيين الفلسطينيين في بيروت” (قرار رقم 521، 19 أيلول / سبتمبر 1982).
وفي 16 كانون الأول (ديسمبر) 1982، أعلنت الجمعية العامة أن المذبحة هي “عمل من أعمال الإبادة الجماعية” (القرار 37/123)، وطالب بعض الأعضاء بإنشاء سلطة تحقيق رسمية للأمم المتحدة، لكن دون جدوى، لذلك أنشأ عدد قليل من الخبراء الدوليين، معظمهم من المحامين، “لجنة دولية للتحقيق في انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي المبلغ عنها أثناء غزوها للبنان”، وكان شون ماكبرايد، رئيس مكتب السلام الدولي في جنيف، رئيسًا له، استندت استنتاجات الخبراء بشكل أساسي إلى اتفاقية جنيف الرابعة، وأكدوا أن “السلطات الإسرائيلية تتحمل مسؤولية قانونية جسيمة، كقوة محتلة على المجازر في صبرا وشاتيلا.
ومن الأدلة التي تم الكشف عنها، شاركت إسرائيل في التخطيط والتحضير للمجازر ولعبت دورًا تسهيليًا في عمليات القتل الفعلية” (ماكبرايد، 1983)، كما وصفوا الغزو الإسرائيلي بأنه “إبادة ثقافية” أو “إبادة جماعية”، واعتبر معظمهم أنه يمكن إثبات “ادعاء التدمير المتعمد للحقوق الوطنية والثقافية وهوية الشعب الفلسطيني ويشكل ذلك شكلاً من أشكال الإبادة الجماعية”.
وفي لبنان، شُكلت لجنة تحقيق بعد المجزرة، لكن نتائجه لم تنشر قط لأن السلطات اللبنانية أرادت دعم “المصالحة الوطنية” والتقليل -في هذا السياق- من تورط الكتائب في مقتل صبرا وشاتيلا، ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى مقتل حبيقة، رئيس المخابرات الكتائبية، في بيروت في هجوم بسيارة مفخخة في 25 كانون الثاني / يناير 2005، وقبل يومين من وفاته، أعلن أنه مستعد للإدلاء بشهادته بشأن مذبحة صبرا وشاتيلا أمام المحكمة البلجيكية التي اتهمت أ. شارون بارتكاب “إبادة جماعية” و”جرائم حرب” و “جرائم ضد الإنسانية”.
من جانب الاحتلال الإسرائيلي، تم تشكيل لجنة تحقيق في 28 أيلول / سبتمبر 1982 برئاسة يتسحاق كاهان، رئيس المحكمة العليا، طُلب منه التحقيق في جميع العوامل المرتبطة بالفظائع التي ارتكبتها وحدة من القوات اللبنانية ضد السكان المدنيين في مخيمي شاتيلا وصبرا.
في 7 شباط / فبراير 1983 نشرت لجنة كاهان استنتاجات واضحة: الكتائب ارتكبوا الفظائع، لم يكن أي من القادة الإسرائيليين متورطًا بشكل مباشر فيها، ومع ذلك اعتبرت اللجنة أن القيادة السياسية والعسكرية العليا الإسرائيلية تتحمل مسؤولية غير مباشرة.
في الواقع، كان على القادة توقع وجود خطر حدوث مذبحة: “من الواضح أن القوات التي دخلت المنطقة كانت غارقة في الكراهية للفلسطينيين، وقد تفاقمت مشاعر الكراهية هذه مع التوق إلى الانتقام في أعقاب اغتيال زعيم الكتائب الجميل وقتل العشرات من الكتائب قبل دخولهم المخيم بيومين، علاوة على ذلك، لم يتم اتخاذ أي إجراءات نشطة وفورية لكبح جماح الكتائب ووقف أعمالهم”.
أوساط عدة شككت باستنتاجات لجنة التحقيق الإسرائيلية كما أنها رفضت الحجة القائلة بأن ضباط الجيش الإسرائيلي المتمركزين بالقرب من المخيمات لم يتمكنوا من رؤية ما حدث، وأفادوا أن المقر الإسرائيلي كان يقع في مبنى من عدة طوابق يطل على المخيمات.
لكن اعتراضهم الرئيسي على استنتاجات لجنة كاهان يتعلق بتقييم مستوى مسؤولية “إسرائيل” بأن مذبحة صبرا وشاتيلا لم تكن حادثة منعزلة، على عكس ما استنتجته اللجنة، كانت مذبحة صبرا وشاتيلا جزءًا من مأساة فلسطينية طويلة بدأت عام 1948 بإقامة دولة “إسرائيل” وطرد الفلسطينيين من أرضهم، وربما تعتبر مذبحة عام 1982 امتدادًا لسياسة إسرائيلية قديمة، كانت تتمثل في تهديد منظمة التحرير الفلسطينية، أو حتى محاولة القضاء عليها لتعطيل التنظيم الاجتماعي للشعب الفلسطيني لضمان تشتيتهم.
كما أشار باحثون إلى وجود مؤشرات على وجود “مؤامرة” خططت لها القيادة العليا الإسرائيلية ورؤساء الكتائب، وأكدوا أن:
“المذبحة لم تكن عملاً انتقاميًا عفويًا لمقتل بشير الجميل، بل عملية مخطط لها مسبقًا بهدف إحداث نزوح جماعي للفلسطينيين من بيروت وأجزاء أخرى من لبنان”.
إجراءات قانونية
في حزيران/ يونيو 2001، قدم 23 من ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا شكوى ضد شارون أمام محكمة بلجيكية، واتهموه بارتكاب “الإبادة الجماعية” و “جرائم الحرب” و “الجرائم ضد الإنسانية”.
لكن في يونيو 2002، أعلن القضاء البلجيكي عدم قبول الشكوى، واستندت المحكمة في حجتها إلى سببين:
- يجب العثور على المتهم واعتقاله في بلجيكا. لكن في لحظة المحاكمة، كان شارون يعيش في تل أبيب.
- وفقًا للقانون الإسرائيلي لا يمكن مقاضاة المتهم إذا كان يشغل منصبًا سياسيًا، وبالفعل كان أ. شارون رئيسًا للوزراء عندما وُجهت إليه التهم.
ولذلك قررت مجموعة المدعين استئناف القضية أمام محكمة الاستئناف العليا في بلجيكا. في فبراير 2003، شككت أعلى محكمة في بلجيكا في الحجة الأولى التي قدمتها محكمة الصلح، وأكدت المحكمة العليا أنه يمكن رفع الدعاوى حتى لو كان المدعى عليه لا يعيش في بلجيكا، لكن محكمة الاستئناف العليا أكدت الحجة الثانية المتعلقة بحصانة أ. شارون السياسية.