في “عهد الإفلاس” كان مسلسل اقتحامات المصارف أمس متوقعاً وليس مفاجئاً، وهناك تخوف من أن تتدحرج الأمور ككرة الثلج وتكبر وصولاً الى انفجار اجتماعي لطالما حذر منه الخبراء الذين كانوا يقولون ان شرارته تبدأ صغيرة لا أحد يعرف متى وكيف لكن التداعيات ستكون وخيمة وربما ستشكل الضربة القاضية للبلد المتحلل والمنهار .
المشهد أمس كان على الشكل التالي: منذ الصباح الباكر، بدأت عمليات الدخول الى المصارف بالسلاح، الحقيقي أو المزيّف في أكثر من منطقة ليطالب المودعون بأموالهم.
اجتماعات أمنية لمنع تفلت الأمور بعدما استشعر القادة الأمنيون الخطر الآتي على متن مركب جهات منظمة تدفع نحوه لتفجير واسع بذريعة أموال المودعين.
اذ أكد وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي أن “هدفنا حماية البلد والمودعين”، كاشفاً عن “جهات تدفع الناس إلى تحركات ضدّ المصارف ولا يمكنني الإفصاح عن التفاصيل لسرية التحقيق ونتعامل بحكمة مع الموضوع”.
جمعية المصارف تصدر بياناً تعلن فيه قرارها بإقفال المصارف أيام 19 – 20 – 21 أيلول استنكاراً لما حصل وبغية اتخاذ التدابير التنظيمية اللازمة، على أن يعود مجلس الإدارة إلى الاجتماع في مطلع الأسبوع المقبل للنظر في شأن الخطوات التالية.
جمعية المودعين تؤكد أن هذه العمليات ستستمر ما لم يسترجع الناس أموالهم، وتحذر من أن مسلسل الاقتحامات سيتجدد الخميس.
مجلس النواب يستأنف جلسة دراسة ومناقشة بنود موازنة ٢٠٢٢، اذ وافق على زيادة رواتب موظفي القطاع العام والعسكريين والمتقاعدين والمتعاقدين بثلاثة أضعاف، وذلك ضمن المساعدات الاجتماعية.
كما صادق على نفقات الموازنة العامة، لكن سرعان ما رفع رئيس مجلس النواب نبيه بري الجلسة الى يوم الاثنين المقبل بسبب فقدان النصاب بعد خروج عدد من النواب نتيجة اعتراضهم على مشروع الموازنة التي تعتبر معظم الكتل النيابية أنها لا تعالج عمق الأزمة الوجودية.
كل ذلك، وسط عتمة حالكة غرق فيها البلد مع وقف العمل في معامل انتاج الطاقة اضافة الى تخطي قيمة صرف الدولار الـ38 ألف ليرة في ظل رفع سعر ربطة الخبز إلى 20 ألف ليرة.
وبالعودة الى مسلسل الاقتحامات، أشار أحد الدستوريين الى أن اقتحام المصارف مخالف للقانون من الناحية الدستورية، واختطاف الناس يعتبر جناية يعاقب عليها، كما أن التهديد بالسلاح واستيفاء الحق بالذات الذي يخرب البلد، يعاقب عليه قانون العقوبات. اما انسانياً، فلا بد من تفهم أوضاع الناس والتعاطف معهم لأن حقوقهم ذهبت أدراج الرياح.
والسؤال الكبير هنا: هل المصارف تدعم ظاهرة الاقتحام عبر أناس مأجورين كي تقفل أبوابها في وجه المودعين؟ هل هناك محاولة جديدة لتهريب أموال المحظيين الى الخارج؟ خلال الأيام الـ 17 التي أقفلت فيها المصارف سابقاً، تبين أن هناك أشخاصاً تلقوا أموالاً مقابل اقفال المصارف لتهريب الودائع.
هل هناك من تحضير لهذه الفوضى وصولاً الى يوم غير طبيعي قبل الاستحقاق الرئاسي؟ أسئلة لا يمكن الاجابة عنها حالياً، لكن اذا نظرنا الى موضوع الاقتحامات التي ستتزايد من الناحية الانسانية، فإن الوضع ضاغط وخانق من جهة، ومن جهة ثانية، فإن الناس محروقة على أموالها اما بسبب المرض أو بسبب أقساط المدارس والجامعات، ولا نتوقع أن يستمر الشعب في الصمت الى أبد الآبدين، وهذا ما سيؤدي الى تدحرج كرة الثلج والى الانفجار.
في حين رأى أحد السياسيين أن غياب الحلول وتفاقم الأزمات ينذر بالفوضى. انه الانحطاط على كل المستويات، وما جرى أمس من اقتحامات كان متوقعاً. ولتلافي كل هذه الأمور، يجب أن نتبع مساراً واضحاً للخروج من الأزمة.
والبداية تكون من خلال استقامة المؤسسات الدستورية، والسير في طريق الاصلاح واعادة بناء الدولة. وبالتالي، لا يمكن أن نحمّل المودع المسؤولية لأنه يطالب بحقه، لكن في الوقت نفسه يجب المحافظة على تطبيق القوانين، وعدم السماح بتفلت الأمور فحينها نصبح في شريعة الغاب. ما قام به بعض المودعين أمس، لا يحل مشكلة كل المودعين انما جزء صغير جداً منهم في حين أن الاكثرية الساحقة لن تحصل على حقوقها.
لا بد من التأكيد أنه لكي تحصل الناس على حقوقها يجب وضع برنامج واضح للانقاذ وأن تكون هناك خطة تعاف مقرة يُعمل عليها مع الجهات الدولية وصندوق النقد الدولي وأن يكون هناك بحث في صندوق ادارة استثمارات الدولة لضمان حقوق المودعين. الوقائع تشير الى أن المسار الذي نسير به كارثي ومدمر، وسيستدرج المزيد من الفوضى على كل المستويات حيث سيأخذ كل صاحب حق حقه بيده، وحينها يكون الجحيم الأكبر.
لذلك، من الضروري جداً سلوك الطرق السليمة والصحيحة قبل فوات الأوان.
نحن اليوم نعاني من غياب العدل، وهذا ما يدفع اللبنانيون ثمنه باهظاً.
هل يجوز أن يحصل من يتجرأ ويقتحم مصرفاً على حقه فيما الأوادم لا يستطيعون تحصيل قرش واحد؟ هل يجوز أننا بتنا نعيش في زمن وفق المثل القائل “الفاجر أكل مالو ومال التاجر؟” هل أصبحنا في غابة حقيقية؟ نكرر الدعوة الى استدراك الأمور من خلال خطة طوارئ، وعدم السماح بالانحدار أكثر مع العلم أننا وصلنا الى المحظور، ويمكن وصف حالة البلد اليوم بأنها خارج المنطق والمعقول والمقبول. التخوف موجود وبقوة من أن تنتقل هذه الاقتحامات الى مؤسسات أخرى لأنه على ما يبدو أن من يلعب هذه اللعبة يريد أن يحول البلد الى أيام غير طبيعية قبل نهاية العهد.
الناس وصلت الى مرحلة الجوع، وحاجتها لا توصف، ووصلنا الى مكان سيء جداً، ولا بد أن هناك قوى تستغل هذا الواقع.
أما على الصعيد الحكومي، فإن المعنيين بالتشكيل مرتاحون على وضعهم خصوصاً أن البلد بألف خير، وكل المؤسسات تسير بانتظام، والشعب يعيش في نعيم لا مثيل له، وحقوقه تصل كاملة الى داخل بيته، لذلك، يستعد رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي للسفر الى المملكة المتحدة لتقديم واجب العزاء بالملكة اليزابيت، وهو مرتاح البال.
كما أن رئيس الجمهورية ميشال عون يغمض عينيه كل ليلة وهو مرتاح الضمير تجاه بلده وشعبه. وبالتالي، على اللبنانيين أن يكونوا مطمئنين لأن الرئيس المكلف سينام في القصر الجمهوري بعد عودته لتشكيل الحكومة.
هذا الموقف فتح الباب أمام الكثير من التأويلات والتحليلات التي تراوحت بين التفاؤل بقرب الولادة على اعتبار أن ميقاتي ربما تكون توافرت لديه مؤشرات جيدة، وبين التشاؤم على اعتبار أن هذا الموقف يبقى في اطار المراوغة وتقاذف كرة النار بين لاعبي الجهة الواحدة والهاء الناس عن أزماتهم المعيشية اليومية، والتهرب من تحمل مسؤولية التعطيل.
واذا كان هناك العديد من اللاعبين على الساحة السياسية والمحللين يستبعدون التشكيل خلال ولاية عون وانتخاب رئيس جديد في المهلة الدستورية، فهناك من يجزم بأن الحكومة ستلد في ربع الساعة الأخير أو ربما في الأيام العشرة الأولى من تشرين الأول خصوصاً أن هناك ضغطا محلياً ودولياً للتأليف تفادياً لخطر الفوضى الدستورية وربما الشعبية التي ستنتج عن تَولّي حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية في حال الشغور، ومن بعدها يدعو الرئيس بري الى عقد جلسة أو جلسات لانتخاب رئيس وفق قوله: “نريد شيئاً من التوافق عندها سوف تجدونني أحدد جلسة فوراً”، ما يعني أن لا جلسة في المرحلة الحالية.
لكن مصدراً مطلعاً لفت الى أنه في حال تشكلت الحكومة سيعتبر الرئيس بري أن هناك جواً توافقياً يشجعه على الدعوة الى عقد جلسة لانتخاب الرئيس .
وفي هذا السياق، أشارت مصادر لـ” لبنان الكبير” الى أن الطرفين المعنيين بالتشكيل سيضطران في نهاية المطاف الى التنازل عن شروطهما، وأن الرئيس المكلف سيرضى بتوسيع الحكومة 6 وزراء لأنه سيكون على رأس مجلس وزاري سيتسلم زمام السلطة كما سيوقع على اتفاق ترسيم الحدود البحرية اذا وصل الى خواتيمه السعيدة ومع صندوق النقد الدولي، ما يعني أنه سيختار بين المر والأمر منه.
الا أن مصدراً مقرباً من ميقاتي أكد أن أجواء التشكيل ايجابية، وأنه لن يتنازل انما حصل توافق على نقاط محددة بين الطرفين.
الحكومة لن تتوسع ولن يضاف اليها 6 وزراء، والرئيس المكلف ليس مضطراً الى أن يتحمل الضغوط وحده ويقدم المزيد من التنازلات.
وبالتالي، الحديث عن ولادة الحكومة خلال الأيام العشرة الأولى من تشرين الأول ليس بعيداً عن الواقع اذ أن ميقاتي بعد عودته من السفر، سيستأنف النقاش مع عون خصوصاً أنه لمس جواً ايجابياً خلال اللقاء الأخير.
وفيما اعتبر أحد النواب أن توسيع الحكومة وادخال المزيد من النفس العوني اليها انتحار للرئيس ميقاتي وللبلد ككل، ولا نشجعه على ذلك بل نحذره منه، سأل نائب آخر: لماذا الحديث عن التشكيل في الشهر المقبل وليس الآن؟ اذا كانت هناك نوايا سليمة، تتشكل الحكومة اليوم قبل الغد.
هل ننتظر حتى يقفز الدولار الى 50 ألف ليرة، ويتحول البلد الى فوضى عارمة؟ ألم يتعظوا مما حصل؟، داعياً الى الانكباب على التأليف وانتخاب رئيس جديد قبل أن نفقد الجمهورية.
هناك فريق سياسي مرتاح لهذا التمادي بالتجاوزات على كل المستويات، ويعطل كل شيء وهو متحكم بالقرار، ولا تزال أمامه أيام قبل ان يرتاح ويريح البلد.